الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } * { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } * { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

«وإذا قيل لهم» معطوف على يكذبون. ويجوز أن يعطف على يقول آمنا لأنك لو قلت ومن الناس من إذا قيل لهم لا تفسدوا، كان صحيحاً، والأوّل أوجه. والفساد خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعاً به، ونقيضه الصلاح، وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة. والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن، لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية. قال الله تعالىوَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلاْرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } البقرة 205أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَاء } البقرة 30. ومنه قيل لحرب كانت بين طيء حرب الفساد. وكان فساد المنافقين في الأرض. أنهم كانوا يمايلون الكفار ويمالئونهم على المسلمين بإفشاء أسرارهم إليهم وإغرائهم عليهم، وذلك مما يؤدّي إلى هيج الفتن بينهم، فلما كان ذلك من صنيعهم مؤدياً إلى الفساد قيل لهم { لا تفسدوا } ، كما تقول للرجل لا تقتل نفسك بيدك، ولا تلق نفسك في النار، إذا أقدم على ما هذه عاقبته. و { إِنَّمَا } لقصر الحكم على شيء، كقولك إنما ينطق زيد، أو لقصر الشيء على حكم كقولك إنما زيد كاتب. ومعنى { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أن صفة المصلحين خلصت لهم وتمحضت من غير شائبة قادح فيها من وجه من وجوه الفساد. و { ألآ } مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي، لإعطاء معنى التنبيه على تحقق ما بعدها، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقاً كقولهأَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـٰدِرٍ } القيامة 40؟ ولكونها في هذا المنصب من التحقيق، لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدّرة بنحو ما يتلقى به القسم. وأختها التي هي «أما» من مقدّمات اليمين وطلائعها
أَمَا والَّذِي لا يَعْلَمُ الغَيْبَ غيْرُهُ أَمَا والَّذِي أَبْكَى وأَضحَكَ   
ردّ الله ما ادعوه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغ ردّ وأدله على سخط عظيم، والمبالغة فيه من جهة الاستئناف وما في كلتا الكلمتين ألا. وإن من التأكيدين وتعريف الخبر وتوسيط الفصل. وقوله { لاَّ يَشْعُرُونَ } أتوهم في النصيحة من وجهين أحدهما تقبيح ما كانوا عليه لبعده من الصواب وجرّه إلى الفساد والفتنة. والثاني تبصيرهم الطريق الأسد من أتباع ذوي الأحلام، ودخولهم في عدادهم فكان من جوابهم أن سفهوهم لفرط سفههم، وجهلوهم لتمادي جهلهم. وفي ذلك تسلية للعالم مما يلقى من الجهلة. فإن قلت كيف صح أن يسند «قيل» إلى «لا تفسدوا، وآمنوا» وإسناد الفعل إلى الفعل مما لا يصح؟ قلت الذي لا يصح هو إسناد الفعل إلى معنى الفعل، وهذا إسناد له إلى لفظه، كأنه قيل وإذا قيل لهم هذا القول وهذا الكلام. فهو نحو قولك «ألف» ضرب من ثلاثة أحرف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6