الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَاء } الخفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة، وأنهم لا يرون النسخ. وقيل المنافقون، لحرصهم على الطعن والاستهزاء. وقيل المشركون، قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها، والله ليرجعن إلى دينهم. فإن قلتأي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت فائدته أن مفاجأة المكروه أشدّ، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع لما يتقدّمه من توطين النفس، وأنّ الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه، وقبل الرمي يراش السهم { مَا وَلَّـٰهُمْ } ما صرفهم { عَن قِبْلَتِهِمُ } وهي بيت المقدس { لّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } أي بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها { يَهْدِى مَن يَشَآءُ } من أهلها { إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو ما توجبه الحكمة والمصلحة، من توجيههم تارة إلى بيت المقدس، وأخرى إلى الكعبة { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ } ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم { أُمَّةً وَسَطًا } خياراً، وهي صفة بالاسم الذي هو وسط الشيء. ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ونحوه قوله عليه السلام 63 " وأنطوا الثبجة " يريد الوسيطة بين السمينة والعجفاء وصفاً بالثَّج وهو وسط الظهر، إلا أنه ألحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف. وقيل للخيار وسط لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل، والأعوار والأوساط محمية محوّطة. ومنه قول الطائي
كَانَتْ هِيَ الْوَسَط المَحْمِيَّ فَاكْتَنفَتْ بِهَا الْحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا   
وقد اكتريت بمكة جمل أعرابي للحج فقال أعطني من سطاتهنه، أراد من خيار الدنانير. أو عدولاً، لأنّ الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } روي 64 أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالب الله الأنبياء بالبينة على أنهم قد بلغوا وهو أعلم، فيؤتى بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون، فتقول الأمم من أين عرفتم؟ فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته، فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وذلك قوله تعالىفَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } النساء 41. فإن قلت فهلا قيل لكم شهيداً وشهادته لهم لا عليهم. قلت لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له، جيء بكلمة الاستعلاء. ومنه قوله تعالىوَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } المجادلة 7،كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } المائدة 17. وقيل لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول الأخيار { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } يزكيكم ويعلم بعدالتكم، فإن قلت لم أخرت صلة الشهادة أولاً وقدّمت آخراً؟ قلت لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيداً عليهم { ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا } ليست بصفة للقبلة إنما هي ثاني مفعولي جعل.

السابقالتالي
2