الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

{ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } اختبره بأوامر ونواه. واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه عن اختيار أحد الأمرين ما يريد الله، وما يشتهيه العبد، كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك. وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنه «إبراهيمُ ربَّه» رفع إبراهيم ونصب ربه. والمعنى أنه دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهنّ أم لا؟ فإن قلت الفاعل في القراءة المشهورة يلي الفعل في التقدير، فتعليق الضمير به إضمار قبل الذكر. قلت الإضمار قبل الذكر أن يقال ابتلى ربه إبراهيم.فأما ابتلى إبراهيم ربه أو ابتلى ربه إبراهيم، فليس واحداً منهما بإضمار قبل الذكر. أما الأوّل فقد ذكر فيه صاحب الضمير قبل الضمير ذكراً ظاهراً. وأما الثاني فإبراهيم فيه مقدّم في المعنى، وليس كذلك ابتلى ربه إبراهيم، فإن الضمير فيه قد تقدم لفظاً ومعنى فلا سبيل إلى صحته. والمستكن { فَأَتَمَّهُنَّ } في إحدى القراءتين لإبراهيم بمعنى فقام بهنّ حق القيام وأدّاهنّ أحسن التأدية من غير تفريط وتوان. ونحو { وَإِبْرٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰ } وفّىٰ الأخرى لله تعالى بمعنى فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئاً. ويعضده ما روي عن مقاتل أنه فسر الكلمات بما سأل إبراهيم ربه في قولهرَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا } البقرة 126، { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } ، { وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ }. { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } فإن قلت ما العامل في إذ؟ قلت إما مضمر نحو واذكر إذ ابتلى أو إذ ابتلاه كان كيت وكيت، وإما { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ }. فإن قلت فما موقع قال؟ قلت هو على الأوّل استئناف، كأنه قيل فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟ فقيل قال إني جاعلك للناس إماماً. وعلى الثاني جملة معطوفة على ما قبلها. ويجوز أن يكون بياناً لقوله ابتلى وتفسيراً له فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده. والإسلام قبل ذلك في قوله { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } وقيل في الكلمات هنّ خمس في الرأس الفرق، وقص الشارب، والسواك، والمضمضة والاستنشاق. وخمس في البدن الختان، والاستحداد، والاستنجاء، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط. وقيل ابتلاه من شرائع الإسلام بثلاثين سهماً عشر في براءةٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ } التوبة 122، وعشر في الأحزابإِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } الاحزاب 35، وعشر في المؤمنون، وسأل سائل إلى قولهوَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } المعارج 34. وقيل هي مناسك الحج، كالطواف والسعي والرمي والإحرام والتعريف وغيرهنّ. وقيل ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة. والإمام اسم من يؤتم به على زنة الإله، كالإزار لما يؤتزر به، أي يأتمون بك في دينهم { وَمِن ذُرّيَتِى } عطف على الكاف، كأنه قال وجاعل بعض ذريتي، كما يقال لك سأكرمك، فتقول وزيداً { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } وقرىء «الظالمون»، أي من كان ظالماً من ذرّيتك.

السابقالتالي
2