الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }

{ لِفَتَـٰهُ } لعبده. وفي الحديث 643 " ليقل أحدكم فتاي وفتاتي " ، ولا يقل عبدي وأمتي. وقيل هو يوشع بن نون. وإنما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه. وقيل كان يأخذ منه العلم. فإن قلت { لا أَبْرَحُ } إن كان بمعنى لا أزول - من برح المكان - فقد دلّ على الإقامة لا على السفر. وإن كان بمعنى لا أزال، فلا بدّ من الخبر، قلت هو بمعنى لا أزال، وقد حذف الخبر لأنّ الحال والكلام معاً يدلان عليه. أمّا الحال فلأنها كانت حال سفر. وأمّا الكلام فلأن قوله { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } غاية مضروبة وتستدعي ما هي غاية له، فلا بدّ أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين. ووجه آخر وهو أن يكون المعنى لا يبرح مسيري حتى أبلغ على أن حتى أبلغ هو الخبر، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم، فانقلب الفعل عن لفظ الغائب إلى لفظ المتكلم، وهو وجه لطيف. ويجوز أن يكون. المعنى لا أبرح ما أنا عليه، بمعنى ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ، كما تقول لا أبرح المكان. ومجمع البحرين المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر عليهما السلام، وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق. وقيل طنجة. وقيل أفريقية. ومن بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر، لأنهما كانا بحرين في العلم. وقرىء «مجمع» بكسر الميم، وهي في الشذوذ من يفعل، كالمشرق والمطلع من يفعل { أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً } أو أسير زماناً طويلاً. والحقب ثمانون سنة. وروي أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل واستقرّوا بها بعد هلاك القبط، أمره الله أن يذكر قومه النعمة، فقام فيهم خطيباً فذكر نعمة الله وقال إنه اصطفى نبيكم وكلمه. فقالوا له قد علمنا هذا، فأي الناس أعلم؟ قال أنا. فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إلى الله، فأوحى إليه بل أعلم منك عبدٌ لي عند مجمع البحرين وهو الخضر، وكان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى عليه السلام، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر، وبقي إلى أيام موسى. وقيل إنّ موسى سأل ربه أيّ عبادك أحبّ إليك؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني. قال فأيّ عبادك أقضى؟ قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال فأيّ عبادك أعلم؟ قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تدلّه على هدى، أو تردّه عن ردى. فقال إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه. قال أعلم منك الخضر. قال أين أطلبه؟ قال على الساحل عند الصخرة.

السابقالتالي
2 3