الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

وقال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم نحِّ هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن، وهم صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين، حتى نجالسك كما قال نوحأَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } الشعراء 111 فنزلت { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } وأحبسها معهم وثبتها. قال أبو ذؤيب
فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً تَرْسُوا إذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ   
{ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } دائبين على الدعاء في كل وقت. وقيل المراد صلاة الفجر والعصر. وقرىء «بالغدوة» وبالغداة أجود لأن غدوة علم في أكثر الاستعمال. وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال
...... وَالزَّيْدُ زَيْدُ المَعَارِكِ   
ونحوه قليل في كلامهم، يقال عداه إذا جاوزه ومنه قولهم. عدا طوره. وجاءني القوم عدا زيداً. وإنماعدي بعن، لتضمين عدا معنى نبا وعلا، في قولك نبت عنه عينه وعلت عنه عينه إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت أي غرض في هذا التضمين؟ وهلا قيل ولا تعدهم عيناك، أو لا تعل عيناك عنهم؟ قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم؟ ونحوه قوله تعالىوَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } النساء 2 أي ولا تضموها إليها أكلين لها. وقرىء «ولا تعد عينيك، ولا تعدّ عينيك» من أعداه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو. ومنه قوله
فَعُدْ عَمَّا تَرَى إذْ لاَ ارْتِجَاعَ لَهُ   
لأن معناه فعد همك عما ترى. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزدرى بفقراء المؤمنين، وأن تنبو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى زيّ الأغنياء وحسن شارتهم { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } في موضع الحال { مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر بالخذلان. أو وجدناه غافلاً عنه، كقولك أجبنته وأفحمته وأبخلته، إذا وجدته كذلك. أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة، أي لم نسمه بالذكر ولم نجعلهم من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله { وَٱتَّبَعَ هَوَاٰهُ } وقرىء «أغفلنا قلبه» بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين، من أغفلته إذا وجدته غافلاً { فُرُطًا } متقدّماً للحق والصواب نابذاً له وراء ظهره من قولهم «فرس فرط» متقدّم للخيل.