الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }

{ وَبَرَزُواْ للَّهِ } ويبرزون يوم القيامة. وإنما جيء به بلفظ الماضي، لأنّ ما أخبر به عزّ وعلا لصدقه كأنه قد كان ووجد، ونحوهوَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } الأعراف 44،وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } الأعراف 50 ونظائر له.ومعنى بروزهم لله - والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز له - أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أن ذلك خاف على الله،فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أنّ الله لا يخفى عليه خافية.أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه. فإن قلت لما كتب { الضعفؤا } بواو قبل الهمزة؟ قلت كتب على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو. ونظيرهعلمؤا بَنِى إِسْرٰءيل } الشعراء 197 والضعفاء الأتباع والعوام والذين استكبروا ساداتهم وكبراؤهم، الذين استتبعوهم واستغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم { تَبَعًا } تابعين جمع تابع على تبع، كقولهم خادم وخدم وغائب وغيب أو ذوي تبع. والتبع الأتباع، يقال تبعه تبعاً. فإن قلت أي فرق بين من في { مّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } وبينه في { مِن شَىْء }؟ قلت الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض، كأنه قيل هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله. ويجوز أن تكونا للتبعيض معاً، بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله، أي بعض بعض عذاب الله فإن قلت فما معنى قوله { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ }؟ قلت الذي قال لهم الضعفاء كان توبيخا لهم وعتاباً على استتباعهم واستغوائهم. وقولهم { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } من باب التبكيت لأنهم قد علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم، فأجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم بأن الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم ولم يضلوهم، إما موركين الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله، كما حكى الله عنهم وقالوالَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } الأنعام 148،لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } النحل 35 يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا. ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقينيَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْء } المجادلة 18. وإما أن يكون المعنى لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان. وقيل معناه لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم، أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة { سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا } مستويان علينا الجزع والصبر. والهمزة وأم للتسوية. ونحوهفَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } الطور 16 وروي أنهم يقولون تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فيقولون تعالوا نصبر، فيصبرون كذلك ثم يقولون سواء علينا.

السابقالتالي
2