الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ }

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ } وقال جماعة من النساء وكنّ خمساً امرأة الساقي، وامرأة الخباز، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب السجن، وامرأة الحاجب. والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة، ولذلك لم تلحق فعله تاء التأنيث. وفيه لغتان كسر النون وضمها { فِى ٱلْمَدِينَةِ } في مصر { ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ } يردن قطفير، والعزيز الملك بلسان العرب { فَتَـٰهَا } غلامها. يقال فتاي وفتاتي، أي غلامي وجاريتي { شَغَفَهَا } خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد، والشغاف حجاب القلب، وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب. قال النابغة
وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذَلِكَ وَالِج مَكَانَ الشِّغَافِ تَبْتَغِيهِ الأَصَابِعُ   
وقرىء «شعفها» بالعين، من شعف البعير إذا هنأه فأحرقه بالقطران، قال
كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءَةَ الرَّجُلُ الطّالي   
و { حَبّاً } نصب على التمييز { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } في خطأ وبُعدٍ عن طريق الصواب { بِمَكْرِهِنَّ } باغتيابهنّ وسوء قالتهن، وقولهنّ امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها، وسمي الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحالِ غيبة، كما يخفي الماكر مكره. وقيل كانت استكتمتهنّ سرّها فأفشينه عليها { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } دعتهنّ. قيل دعت أربعين امرأة منهنّ الخمس المذكورات { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } ما يتكئن عليه من نمارق، قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهنّ متكئات والسكاكين في أيديهنّ أن يدهشن ويبهتن عند رؤيته، ويشغلن عن نفوسهنّ فتقع أيديهنّ على أيديهنّ فيقطعنها، لأن المتكىء إذا بهت لشيء وقعت يده على يده، ولا يبعد أن تقصد الجمع بين المكر به وبهنّ، فتضع الخناجر في أيديهنّ ليقطعن أيديهنّ، فتبكتهنّ بالحجة، ولتهول يوسف من مكرها إذا خرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهنّ الخناجر، وتوهمه أنهنّ يثبن عليه. وقيل متكأ مجلس طعام لأنهم كانوا يتكؤن للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين، ولذلك. 542 " نهى أن يأكل الرجل متكئاً " وأتتهنّ السكاكين ليعالجن بها ما يأكلن. وقيل { مُتَّكَئاً } طعاماً، من قولك اتكأنا عند فلان طعمنا، على سبيل الكناية لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له تكأة يتكىء عليها. قال جميل
فَظَلَلْنَا بِنِعْمَةٍ واتَّكَأْنَا وَشَرِبْنَا الحَلاَلَ مِنْ قُلَلِهْ   
وعن مجاهد { مُتَّكَئاً } طعاماً يحزّ حزّا، كأن المعنى يعتمد بالسكين لأنّ القاطع يتكىء على المقطوع بالسكين. وقرىء «متكا» بغير همز. وعن الحسن «متكاء» بالمدّ، كأنه مفتعال، وذلك لإشباع فتحة الكاف، كقوله «بمُنْتزاحِ» بمعنى بمنتزح. ونحوه «يَنْبَاعُ» بمعنى ينبع. وقرىء «متكأ» وهو الأترج، وأنشد
فَأَهْدَتْ مَتْكَةً لِبَنِي أبِيهَا تَخُبُّ بِهَا العَثْمَثَةُ الْوِقَاحُ   
وكانت أهدت أترجة على ناقة، وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في سننه أنها شقت بنصفين، وحملا كالعدلين على جمل. وقيل الزماورد وعن وهب أترجا وموزاً وبطيخاً.

السابقالتالي
2 3