الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }

قرىء «يوم يأت» بغير ياء. ونحوه قولهم لا أدر، حكاه الخليل وسيبويه. وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل. فإن قلت فاعل يأتي ما هو؟ قلت الله عز وجل، كقولههَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } البقرة 210،أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } الأنعام 158،وَجَاء رَبُّكَ } الفجر 22 وتعضده قراءة «وما يؤخر» بالياء. وقوله { بِإِذْنِهِ } ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم، كقوله تعالىأو تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةَ } يوسف 107. فإن قلت بما انتصب الظرف؟ قلت إمّا أن ينتصب بلا تكلم. وإما بإضمار «اذكر» وإمّا بالانتهاء المحذوف في قولهإِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } هود 104 أي ينتهي الأجل يوم يأتي، فإن قلت فإذا جعلت الفاعل ضمير اليوم، فقد جعلت اليوم وقتاً لإتيان اليوم وحدّدت الشيء بنفسه قلت المراد إتيان هوله وشدائده { لاَ تَكَلَّمُ } لا تتكلم، وهو نظير قولهلاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } النبأ 38. فإن قلت كيف يوفق بين هذا وبين قوله تعالىيَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا } النحل 111 وقوله تعالىهَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } المرسلات 36، قلت ذلك يوم طويل له مواقف ومواطن، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم { فَمِنْهُمْ } الضمير لأهل الموقف ولم يذكروا لأنّ ذلك معلوم، ولأنّ قوله { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ } يدل عليه، وقد مرّ ذكر الناس في قولهمَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } هود 103 والشقى الذي وجبت له النار لإساءته، والسعيد الذي وجبت له الجنة لإحسانه.