الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

قوله: { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها } يقول: قد أفلح من زكَّى اللّهُ نفسه، فكَّثر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها } يقول: قد أفلح من زكَّى اللّهُ نفسَه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مَهْران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرِمة: { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها } قالوا: من أصلحها. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير، ولم يذكر عكرِمة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها } من عمل خيراً زكَّاها بطاعة الله. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها } قال: قد أفلح من زكَّى نفسَه بعمل صالح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها } يقول: قد أفلح من زكى اللّهُ نفسَه. وهذا هو موضع القسم، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قد وقع القسم ها هنا { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها }. وقد ذكرتُ ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبلُ. وقوله: { وَقَدْ خاب مَنْ دَسَّاها } يقول تعالى ذكره: وقد خاب في طِلبته، فلم يُدرك ما طلب والتمس لنفسه من الصلاح { مَنْ دسَّاهَا } يعني: من دَسَّس الله نفسه فأحْملها، ووضع منها، بخُذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصِيَ، وترك طاعة الله. وقيل: دسَّاها وهي دَسَّسها، فقُلبت إحدى سيناتها ياء، كما قال العجَّاج:
تَقَضِّيَ الْبازِي إذا البازِي كَسَرْ   
يريد: تَقَضُّض. وتظنَّيت هذا الأمر، بمعنى: تظننت، والعرب تفعل ذلك كثيراً، فتبدل في الحرف المشدّد بعضَ حروفه، ياء أحياناً، وواواً أحياناً ومنه قول الآخر:
يَذْهَبُ بِي فِي الشِّعْرِ كُلَّ فَنَّ   حتى يَرُدَّ عَنِّي التَظَنِّي
يريد: التظنن: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس { وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها } يقول: وقد خاب من دَسَّى الله نُفسَه فأضلَّه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها } يعني: تكذيبها. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خَصِيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير { وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها } قال أحدهما: أغواها، وقال الآخر: أضلَّها.

السابقالتالي
2 3 4 5