الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

يقول تعالى ذكره: سيحلف أيها المؤمنون بالله لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، { إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ } يعني: إذا انصرفتم إليهم من غزوكم، { لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ } فلا تؤنبوهم. { فأعْرِضُوا عَنْهُمْ } يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين: فدعوا تأنيبهم وخلوهم، وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق. { إنَّهُمْ رِجْسٌ ومَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } يقول: إنهم نجس ومأواهم جهنم، يقول: ومصيرهم إلى جهنم وهي مسكنهم الذي يأوونه في الآخرة. { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسَبُونَ } يقول: ثوابا بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من معاصي الله. وذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين من المنافقين قالا ما: حدثنا به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { سَيَحْلِفُون باللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتَعْرِضُوا... } إلى: { بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب بنت عظيم الروم، فإنهم حِسَانٌ فقال رجلان: قد علمت يا رسول الله أن النساء فتنة، فلا تفتنا بهنّ، فأذن لنا فأذن لهما فلما انطلقا، قال أحدهما: إن هو إلا شحمة لأوّل آكل. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل عليه في ذلك شيء، فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المياه:لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوك وَلَكِنْ بَعُدَتُ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ } ونزل عليه:عَفا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ } ونزل عليه:لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ } ونزل عليه:إنَّهُمْ رِجْسٌ وَمأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ } فسمع ذلك رجل ممن غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم وهم خلفهم، فقال: تعلمون أن قد أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم قرآن، قالوا: ما الذي سمعت؟ قال ما أدري، غير أني سمعت أنه يقول: إنهم رجس، فقال رجل يدعى مخشيًّا: والله لوددت أني أجلد مئة جلدة وأني لست معكم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ فقال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسفعه الريح وأنا في الكنّ، فأنزل الله عليه: وَمِنْهُمْ مَنُ يَقُولُ ائْذَنْ لي وَلا تَفْتِنى وَقالُوا لا تَنْفِرُوا في الحَرّ ونزل عليه في الرجل الذي قال: لوددت أني أجلد مئة جلدة، قول الله:يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ } فقال رجل مع رسول الله: لئن كان هؤلاء كما يقولون ما فينا خير. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: " أنت صاحب الكلمة التي سمعت؟ " فقال: لا والذي أنزل عليك الكتاب فأنزل الله فيه:

السابقالتالي
2