الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

يقول تعالى ذكره: لو خرج أيها المؤمنون فيكم هؤلاء المنافقون، { ما زَادُوكُمْ إلاَّ خَبالاً } يقول: لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فساداً وضرّاً ولذلك ثبطتهم عن الخروج معكم. وقد بيَّنا معنى الخبال بشواهده فيما مضى قبل. { وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } يقول: ولأسرعوا بركائبهم السير بينكم. وأصله من إيضاع الخيل والركاب، وهو الإسراع بها في السير، يقال للناقة إذا أسرعت السير: وضعت الناقة تضع وضعاً ومَوْضُوعاً، وأوضعها صاحبها: إذا جدّ بها وأسرع يُوضِعُها إيضاعاً ومنه قول الراجز:
يا لَيْتَنِي فِيها جَذَعْ   أخُبُّ فيها وأضَعْ
وأما أصل الخلال: فهو من الخلل: وهي الفرج تكون بين القوم في الصفوف وغيرها ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ لا يَتَخَلَّلُكُمْ أوْلادُ الحَذَفِ " وأما قوله: { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } فإن معنى يبغونكم الفتنة: يطلبون لكم ما تفتنون به عن مخرجكم في مغزاكم، بتثبيطهم إياكم عنه، يقال منه: بغيته الشرّ، وبغيته الخير أبغيه بغاءً: إذا التمسته له، بمعنى: بغيت له، وكذلك عكمتك وحلبتك، بمعنى: حلبت لك وعكمت لك، وإذا أرادوا أعنتك على التماسه وطلبه، قالوا: أبغيتك كذا وأحلبتك وأعكمتك: أي أعنتك عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُم } بينكم { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } بذلك. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } يقول: ولأوضعوا أسلحتهم خلالكم بالفتنة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } يبطئونكم. قال: رفاعة بن التابوت، وعبد الله بن أبيّ ابن سلول، وأوس بن قيظي. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } قال: لأسرعوا الأزقة خلالكم. { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } يبطئونكم، عبد الله بن نبتل، ورفاعة بن تابوت، وعبد الله بن أبيّ ابن سلول. قال: حدثنا الحسن، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } قال: لأسرعوا خلالكم { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } بذلك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زَادُوكُمْ إلاَّ خَبالاً } قال: هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك، يُسّليّ الله عنهم نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فقال: وما يُحْزِنكم. { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } الكفر. وأما قوله: { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وفيكم سماعون لحديثكم لهم يؤدونه إليهم عيون لهم عليكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } يحدّثون بأحاديثكم، عيونٌ غير منافقين.

السابقالتالي
2