وقال آخرون: قيل ذلك لهم لشدة أبدانهم وقواهم. ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: { ذَاتِ الْعِمادِ } يعني: الشدّة والقوّة. وأشبه الأقوال في ذلك بما دلّ عليه ظاهر التنزيل: قول من قال: عُنِي بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة، لأن المعروف في كلام العرب من العماد، ما عُمد به الخيام من الخشب، والسواري التي يحمل عليها البناء، ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح، بل وجَّه أهل التأويل قوله: { ذَاتِ الْعِمادِ } إلى أنه عُنِي به طول أجسامهم، وبعضهم إلى أنه عُني به عماد خِيامهم، فأما عِماد البنيان، فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه، وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه، ما وُجد إلى ذلك سبيل، دون الأنكر. وقوله: { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ } يقول جلِّ ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم التي لم يخلق مثلها في البلاد، يعني: مثل عاد، والهاء عائدة على عاد. وجائز أن تكون عائدة على إرم، لما قد بيَّنا قبلُ أنها قبيلة. وإنما عُنِي بقوله: لم يُخلق مثلها في العِظَمِ والبطش والأَيْد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ }: ذكر أنهم كانوا اثني عشر ذراعاً طولاً في السماء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد، لم يخلق مثل الأعمدة في البلاد، وقالوا: التي لم يخلق مثلها من صفة ذات العماد، والهاء التي في مثلها إنما هي من ذكر ذات العماد. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله، فذكر نحوه. وهذا قول لا وجه له، لأن العماد واحد مذكر، والتي للأنثى، ولا يوصف المذكر بالتي، ولو كان ذلك من صفة العِماد لقيل: الذي لم يخلق مثله في البلاد، وإن جعلت التي لإرم، وجعلت الهاء عائدة في قوله: { مِثْلُها } عليها وقيل: هي دِمشق أو إسكندرية، فإن بلاد عاد هي التي وصفها الله في كتابه فقال:{ وَاذْكُرْ أخا عَادٍ إذْ أنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقافِ } والأحقاف: هي جمع حِقْف، وهو ما انعطف من الرمل وانحنى، وليست الإسكندرية ولا دمشق من بلاد الرمال، بل ذلك الشِّحْر من بلاد حضرموت، وما والاها. وقوله: { وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ } يقول: وبثمود الذي خرقوا الصخر ودخلوه، فاتخذوه بيوتاً، كما قال جلّ ثناؤه{ وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } والعرب تقول: جاب فلان الفلاة يجوبها جوباً: إذا دخلها وقطعها ومنه قول نابغة: