الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } * { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } * { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } * { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } * { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ }

وقوله: { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } يقول تعالى ذكره: والذي قدّر خلقه فهدى. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عُني بقوله: { فَهَدَى } ، فقال بعضهم: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ، والبهائم للمراتع. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { قَدَّرَ فَهَدَى } قال: هدى الإنسان للشِّقوة والسعادة، وهَدى الأنعام لمراتعها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: هدى الذكور لمأتى الإناث. وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله عمّ بقوله { فَهَدَى } الخبر عن هدايته خلقه، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى، وقد هداهم لسبيل الخير والشرّ، وهدى الذكور لمأتى الإناث، فالخبر على عمومه، حتى يأتي خبر تقوم به الحجة، دالّ على خصوصه. واجتمعت قرّاء الأمصار على تشديد الدال من قَدَّر، غير الكسائي فإنه خفَّفها. والصواب في ذلك التشديد، لإجماع الحجة عليه. وقوله: { وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى } يقول: والذي أخرج من الأرض مرعَى الأنعام، من صنوف النبات وأنواع الحشيش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن مكرم، قال: ثنا الحفريّ، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رَزِين { أَخْرَجَ المَرْعَى } قال: النبات. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى.. }. الآية، نبت كما رأيتم، بين أصفر وأحمر وأبيض. وقوله: { فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى } يقول تعالى ذكره: فجعل ذلك المرعَى غُثاء، وهو ما جفّ من النبات ويبس، فطارت به الريح وإنما عُنِي به هاهنا أنه جعله هشيماً يابساً متغيراً إلى الحُوَّة، وهي السواد، من بعد البياض أو الخُضرة، من شدّة اليبس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { غُثاءً أحْوَى } يقول: هَشيماً متغيراً. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { غُثاءً أحْوَى } قال: غُثاء السيل أحوى، قال: أسود. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: { غُثاءً أحْوَى } قال: يعود يبساً بعد خُضرة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى } قال: كان بقلاً ونباتاً أخضر، ثم هاج فيبُس، فصار غُثاء أحوى، تذهب به الرياح والسيول. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخَّر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام: والذي أخرج المرعى أحوى: أي أخضر إلى السواد، فجعله غثاء بعد ذلك، ويعتلّ لقوله ذلك بقول ذي الرُّمة:

PreviousNext
1 3