الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

يقول تعالى ذكره: وما يكذّب بيوم الدين { إلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ } اعتدى على الله في قوله، فخالف أمره، { أثِيمٍ } بربه، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادةوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذِّبِينَ } قال الله: { وَما يُكَذِّبُ بِهِ إلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أثِيمٍ }: أي بيوم الدين، إلاَّ كلّ معتد في قوله، أثيم بربه. { إذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آياتُنا } يقول تعالى ذكره: إذا قُرِىء عليه حججنا وأدلتنا التي بيَّنَّاها في كتابنا الذي أنزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم، { قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ } يقول: قال: هذا ما سطَّره الأوّلون فكتبوه، من الأحاديث والأخبار. وقوله: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ } يقول تعالى ذكره مكذّباً لهم في قيلهم ذلك: كلا، ما ذلك كذلك، ولكنه ران على قلوبهم يقول: غلب على قلوبهم وغَمَرها، وأحاطت بها الذنوب فغطتها يقال منه: رانت الخمر على عقله، فهي تَرِين عليه رَيْناً، وذلك إذا سكر، فغلبت على عقله ومنه قول أبي زُبيد الطائي:
ثُمَّ لَمَّا رآهُ رَانَتْ بِهِ الخَمـ   ـر وأنْ لا تَرِينَهُ باتِّقاءِ
يعني ترينه بمخافة، يقول: سكر فهو لا ينتبه ومنه قول الراجز:
لمْ نَرْوَ حتى هَجَّرَتْ وَرِينَ بِي   وَرِينَ بالسَّاقي الَّذي أمْسَى مَعِي
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الأثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن القَعْقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذَا أذْنَبَ العَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فإنْ تابَ صُقِلَ مِنْها، فإنْ عادَ عادَتْ حتى تَعْظُمْ فِي قَلْبِهِ، فَذلكَ الرَّانُ الَّذي قالَ اللّهُ { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ } " حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: ثنا ابن عَجلان، عن القَعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إنَّ المُؤْمِنَ إذَا أذْنَبَ ذَنْباً كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فإن تابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، فإنْ زَادَ زادَتْ حتى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَلكَ الرَّانُ الَّذي قالَ اللّهُ: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ } " حدثني عليّ بن سهيل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن محمد بن عَجْلان، عن القَعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: " «إنَّ الْعَبْدَ إذَا أذْنَبَ ذَنْباً كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْداءُ فِي قَلْبِهِ، فإنْ تابَ مِنْها صُقِلَ قَلْبُهُ، فإنْ زَادَ زَادَتْ، فَذلكَ قَوْلُ اللّهِ: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ } "

السابقالتالي
2 3