الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }

يقول تعالى ذكره: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } بالله ورسوله، { بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ } يقول: بعضهم أعوان بعض وأنصاره، وأحقّ به من المؤمنين بالله ورسوله. وقد ذكرنا قول من قال: عنى بيان أن بعضهم أحقّ بميراث بعض من قرابتهم من المؤمنين، وسنذكر بقية من حضرنا ذكره. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك، قال: قال رجل: نورّث أرحامنا من المشركين فنزلت: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ... } الآية. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ إلاَ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ } نزلت في مواريث مشركي أهل العهد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا... } إلى قوله: { وَفَسادٌ كَبِيرٌ } قال: كان المؤمن المهاجر، والمؤمن الذي ليس بمهاجر لا يتوارثان وإن كانا أخوين مؤمنين. قال: وذلك لأن هذا الدين كان بهذا البلد قليلاً حتى كان يوم الفتح فلما كان يوم الفتح وانقطعت الهجرة توارثوا حيثما كانوا بالأرحام، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ " وقرأ:وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ } وقال آخرون: معنى ذلك: إن الكفار بعضهم أنصار بعض وإنه لا يكون مؤمناً من كان مقيماً بدار الحرب ولم يهاجر. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ } قال: كان ينزل الرجل بين المسلمين والمشركين فيقول: إن ظهر هؤلاء كنت معهم، وإن ظهر هؤلاء كنت معهم. فأبى الله عليهم ذلك، وأنزل الله في ذلك فلا تراءى نار مسلم ونار مشرك إلا صاحب جزية مقرًّا بالخراج. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حضّ الله المؤمنين على التواصل، فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض. وأما قوله: { إلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ } فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: إلا تفعلوا أيها المؤمنون ما أمرتم به من موارثة المهاجرين منكم بعضهم من بعض بالهجرة والأنصار بالإيمان دون أقربائهم من أعراب المسلمين ودون الكفار { تَكُنْ فِتْنَةٌ } يقول: يحدث بلاءً في الأرض بسبب ذلك، وَفَسادٌ كَبِيرٌ يعني: ومعاصي الله. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { إلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ } إلا تفعلوا هذا تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

السابقالتالي
2