الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

يقول تعالى ذكره: ما كان لنبيّ أن يحتبس كافراً قدر عليه وصار في يده من عَبَدَة الأوثان للفداء أو للمنّ. والأسر في كلام العرب: الحبس، يقال منه: مأسور، يراد به: محبوس، ومسموع منهم: أناله لله أسراً. وإنما قال الله جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يعرّفه أن قتل المشركين الذين أسرهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثم فادى بهم كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم. وقوله: { حتى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ } يقول: حتى يبالغ في قتل المشركين فيها، ويقهرهم غلبة وقسراً، يقال منه: أثخن فلان في هذا الأمر إذا بالغ فيه، وحُكي أثخنته معرفة، بمعنى: قتلته معرفة. { تريدون }: يقول للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأسركم المشركين، وهو ما عرض للمرء منها من مال ومتاع، يقول: تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدنيا وطُعْمها. { وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ } يقول: والله يريد لكم زينة الآخرة، وما أعدّ للمؤمنين وأهل ولايته في جناته بقتلكم إياهم وإثخانكم في الأرض، يقول لهم: واطلبوا ما يريد الله لكم وله اعملوا لا ما تدعوكم إليه أهواء أنفسكم من الرغبة في الدنيا وأسبابها. { وَاللَّهُ عَزِيرٌ } يقول: إن أنتم أردتم الآخرة لم يغلبكم عدوّ لكم، لأن الله عزيز لا يقهر ولا يغلب، وإنه { حَكِيمٌ } في تدبيره أمره خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ } وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتدّ سلطانهم، أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى: { فإمَّا مَنًّا بَعْدُ وإمَّا فِدَاءً } فجعل الله النبيّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادَوْهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيْا... } الآية، قال: أراد أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداء، ففادوهم بأربعة آلاف، ولعمري ما كان أثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وكان أوّل قتال قاتله المشركين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، قال: الإثخان: القتل. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا شريك، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، في قوله: { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ } قال: إذا أسرتموهم فلا تفادوهم حتى تثخنوا فيهم القتل.

السابقالتالي
2 3