الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

يعنـي تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله { إذَا لَقِـيتُـمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فـي القِتالِ زَحْفـا } يقول: متزاحفـاً بعضكم إلـى بعض، والتزاحف: التدانـي والتقارب. { فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبـارَ } يقول: فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم، ولكن اثبتوا لهم فإن الله معكم علـيهم. { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } يقول: ومن يولهم منكم ظهره { إلا مُتَـحَرِّفـا لِقتَالٍ } يقول: إلا مستطرداً لقتال عدوّه بطلب عورة له يـمكنه إصابتها فـيكرّ علـيه { أو مُتَـحَيِّزاً إلـى فِئَةٍ } أو إلا أن يولـيهم ظهره متـحيزاً إلـى فئة، يقول: صائراً إلـى حيز الـمؤمنـين الذين يفـيئون به معهم إلـيهم لقتالهم ويرجعون به معهم إلـيهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: { إلاَّ مُتَـحَرّفـاً لِقِتالٍ أوْ مُتَـحيِّزاً إلـى فِئَةٍ } قال: الـمتـحرّف: الـمتقدّم من أصحابه لـيرى غرّة من العدوّ فـيصيبها. قال: والـمتـحيز: الفـارّ إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكذلك من فرّ الـيوم إلـى أميره أو أصحابه. قال الضحاك: وإنـما هذا وعيد من الله لأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم أن لا يفرّوا، وإنـما كان النبـيّ علـيه الصلاة والسلام فئتهم. حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَـحَرّفـاً لِقِتالٍ أوْ مُتَـحَيِّزًا إلـى فِئَةٍ } أما الـمتـحرّف يقول: إلاَّ مستطرداً، يريد العودة. { أوْ مُتَـحيِّزاً إلـى فِئَةٍ } قال: الـمتـحيز إلـى الإمام وجنده إن هو كرّ فلـم يكن له بهم طاقة، ولا يعذر الناس وإن كثروا أن يولوا عن الإمام. واختلف أهل العلـم فـي حكم قول الله عزّ وجلّ: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَـحَرّفـاً لِقِتالٍ أوْ مُتَـحَيِّزًا إلـى فِئَةٍ فَقَدْ بـاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ومَأْوَاهُ جَهَنَّـمُ } هل هو خاصّ فـي أهل بدر، أم هو فـي الـمؤمنـين جميعاً؟ فقال قوم: هو لأهل بدر خاصة، لأنه لـم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدوّه وينهزموا عنه فأما الـيوم فلهم الانهزام. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا داود، عن أبـي نضرة، فـي قول الله عزّ وجلّ: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } قال: ذاك يوم بدر، ولـم يكن لهم أن ينـحازوا، ولو انـحاز أحد لـم ينـحز إلاَّ إلـى. قال أبو موسى: يعنـي إلـى الـمشركين. حدثنا إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد، قوله عزّ وجلّ: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ثم ذكر نـحوه، إلاَّ أنه قال: ولو انـحازوا انـحازوا إلـى الـمشركين، ولـم يكن يومئذٍ مسلـم فـي الأرض غيرهم.

السابقالتالي
2 3