الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } * { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } * { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } * { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ }

يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المكذّبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون من بعد الموت: أئنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات، فراجعون أحياء كما كنا قبل هلاكنا، وقبل مماتنا؟ وهو من قولهم: رجع فلان على حافرته: إذا رجع من حيث جاء ومنه قول الشاعر:
أحافِرَةٌ عَلى صَلَعٍ وشَيْبٍ   مَعاذَ اللّهِ مِنْ سَفَهٍ وطَيْشٍ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { الْحافِرَةُ }: يقول: الحياة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { أئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ } يقول: أئنا لنحيا بعد موتنا، ونُبعث من مكاننا هذا؟ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يقول: { أئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ }: أئِنَّا لمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً؟ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { فِي الْحافِرةِ } قال: أي مردودون خَلقاً جديداً. حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس أو محمد بن كعب القُرَظيّ { أئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ } قال: في الحياة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ { أئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ } قال: في الحياة. وقال آخرون: الحافرة: الأرض المحفورة التي حُفرت فيها قبورهم، فجعلوا ذلك نظير قوله:مِنْ ماءٍ دَافِقٍ } يعني مدفوق، وقالوا: الحافرة بمعنى المحفورة، ومعنى الكلام عندهم: أئنا لمردودون في قبورنا أمواتاً؟ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { الْحافِرَةِ } قال: الأرض، نُبعث خلقاً جديداً، قال: البعث. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { أئِنَّا لَمَرْدُودونَ فِي الْحافِرَةِ } قال: الأرض، نُبعث خلقاً جديداً. وقال آخرون: الحافرة: النار. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: { أئِنَّا لَمَرْدُودونَ فِي الْحافِرَةِ }: قال: الحافرة: النار، وقرأ قول الله: { تِلكَ إذا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ } قال: ما أكثر أسماءها، هي النار، وهي الجحيم، وهي سَقَرُ، وهي جَهَنم، وهي الهاوية، وهي الحافرة، وهي لَظًى، وهي الحُطَمة. وقوله: { أئِذَا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والحجاز والبصرة { نَخِرَةً } بمعنى: بالية. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «ناخِرَةً» بألف، بمعنى: أنها مجوّفة، تنخَر الرياح في جوفها إذا مرّت بها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الناخرة والنَّخِرة: سواء في المعنى، بمنزلة الطامع والطمع، والباخل والبَخِل وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا: { نَخِرَةً } ، بغير ألف، بمعنى: بالية، غير أن رؤوس الآي قبلها وبعدها جاءت بالألف، فأعْجَبُ إليّ لذلك أن تُلْحَق ناخرة بها، ليتفق هو وسائر رؤوس الآيات، لولا ذلك كان أعجب القراءتين إليّ حذف الألف منها.

السابقالتالي
2 3 4