الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } * { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً }

يعني بقوله جلّ ثناؤه: { جَزَاءً مِنْ رَبكَ عَطاءً } أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الآيات ثواباً من ربك بأعمالهم، على طاعتهم إياه في الدنيا. وقوله: { عَطاءً } يقول: تفضلاً من الله عليهم بذلك الجزاء، وذلك أنه جزاهم بالواحد عشراً في بعض، وفي بعض بالواحد سبع مِئَة، فهذه الزيادة وإن كانت جزاء فعطاء من الله. وقوله: { حِساباً } يقول: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حسِاباً } قال: عطاء منه حساباً لما عملوا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً }: أي عطاء كثيراً، فجزاهم بالعمل اليسير، الخير الجسيم، الذي لا انقطاع له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة، في قوله: { عَطاءً حِساباً } قال: عطاء كثيراً وقال مجاهد: عطاء من الله حساباً بأعمالهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حساباً } فقرأ:إنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدَائِقَ وأعْناباً وكَوَاعِبَ أتْرَاباً } .. إلى { عَطاءً حساباً } قال: فهذه جزاء بأعمالهم عطاء الذي أعطاهم، عملوا له واحدة، فجزاهم عشراً، وقرأ قول الله:مَنْ جاءَ بالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا } ، وقرأ قول الله:مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ } قال: يزيد من يشاء، كان هذا كله عطاء، ولم يكن أعمالاً يحسبه لهم، فجزاهم به حتى كأنهم عملوا له، قال: ولم يعملوا إنما عملوا عشراً، فأعطاهم مئة، وعملوا مئة، فأعطاهم ألفاً، هذا كله عطاء، والعمل الأوّل، ثم حَسَب ذلك حتى كأنهم عملوا، فجزاهم كما جزاهم بالذي عملوا. وقوله: { رَبِّ السَّمَواتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرَّحْمَنِ } يقول جلّ ثناؤه: جزاء من ربك ربّ السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق. واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة: «رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرَّحْمَنُ» بالرفع في كليهما. وقرأ ذلك بعضُ أهل البصرة وبعضُ الكوفيين: { رَبِّ } خفضاً «والرَّحْمَنُ» رفعاً ولكلّ ذلك عندنا وجه صحيح، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب، غير أن الخفض في الربّ، لقربه من قوله { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ }: أعجب إليّ، وأما { الرَّحْمَنُ } بالرفع، فإنه أحسن، لبعده من ذلك. وقوله: { الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً } يقول تعالى ذكره: الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة، إلا من أذن له منهم، وقال صواباً.

السابقالتالي
2 3 4