الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً }

يعني تعالى ذكره بقوله: إن جهنم كانت ذات رَصْد لأهلها، الذين كانوا يكذّبون في الدنيا بها، وبالمعاد إلى الله في الآخرة، ولغيرهم من المصدّقين بها. ومعنى الكلام: إن جهنم كانت ذات ارتقاب، ترقب من يجتازها وترصُدهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المازنيّ، قال: كان الحسن إذا تلا هذه الآية: { إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مرْصَاداً } قال: ألا إنّ على الباب الرَّصَد، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجىء بجواز احتبس. حدثني يعقوب، قال: ثنا إسماعيل بن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله { إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصَاداً } قال: لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصَاداً } يُعْلِمُنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يَقطَع النار. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصَاداً } قال: عليها ثلاث قناطر. وقوله: { للطَّاغِينَ مآباً } يقول تعالى ذكره: إن جهنم للذين طَغَوا في الدنيا، فتجاوزوا حدود الله، استكباراً على ربهم، كانت منزلاً ومرجعاً يرجعون إليه، ومصيراً يصيرون إليه يسكنونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { للطَّاغِينَ مآباً }: أي منزلاً ومأوًى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان { مآباً } يقول: مرجعاً ومنزلاً. وقوله: { لابِثِينَ فِيها أحْقاباً } يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الطاغين في الدنيا لابثون في جهنم، فماكثون فيها أحقاباً. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { لابِثِينَ } ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة: { لابِثِينَ } بالألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «لَبِثِينَ» بغير ألف وأفصح القراءتين وأصحهما مخرجاً في العربية، قراءة من قرأ ذلك بالألف وذلك أن العرب لا تكاد توقع الصفة إذا جاءت على فَعيل، فتعملها في شيء، وتنصبه بها، لا يكادون أن يقولوا: هذا رجل بَخِل بماله، ولا عَسِر علينا، ولا هو خَصِم لنا، لأن فَعِل لا يأتي صفة إلاَّ مدحاً أو ذماً، فلا يعمل المدح والذمّ في غيره، وإذا أرادوا إعمال ذلك في الاسم أو غيره جعلوه فاعلاً، فقالوا: هو باخل بماله، وهو طامع فيما عندنا، فلذلك قلت: إن { لابِثِينَ } أصحّ مخرجاً في العربية وأفصح، ولم أُحِلّ قراءة من قرأ: «لَبِثِينَ» وإن كان غيرُها أفصح، لأن العرب ربما أعملت المدح في الأسماء، وقد يُنشد بيت لبيد:
أوْ مِسْحَلٌ عَمِلٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ   بِسَرَاتِها نَدَبٌ لَهُ وكُلُومُ

السابقالتالي
2 3 4 5