الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }

يقول تعالى ذكره تهدّداً ووعيداً منه للمكذّبين بالبعث: كلوا في بقية آجالكم، وتمتعوا ببقية أعماركم { إنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } مَسْنُونٌ بكم سنة من قبلكم من مجرمي الأمم الخالية التي متعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها، ثم انتقم الله منها بكفرها، وتكذيبها رسلها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { كُلُوا وتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إنِّكُم مُجْرِمُونَ } قال: عُني به أهل الكفر. وقوله: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين الذين كذّبوا خبر الله الذي أخبرهم به عما هو فاعل بهم في هذه الآية. وقوله: { وَإذَا قِيلَ لهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ } يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذّبين بوعيد الله أهل التكذيب به: اركعوا، لا يركعون. واختلف أهل التأويل في الحين الذي يقال لهم فيه، فقال بعضهم: يقال ذلك في الآخرة حين يُدْعون إلى السجود فلا يستطيعون. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ } يقول: يُدْعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا. وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم في الدنيا. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ } عليكم بحسن الركوع، فإن الصلاة من الله بمكان. وقال قتادة عن ابن مسعود، أنه رأى رجلاً يصلي ولا يركع، وآخر يجرّ إزاره، فضحك، قالوا: ما يُضحكك؟ قال: أضحكني رجلان، أما أحدهما فلا يقبل الله صلاته، وأما الآخر فلا ينظر الله إليه. وقيل: عُنِي بالركوع في هذا الموضع الصلاة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وَإذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ } قال: صَلُّوا. وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه. وقوله: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذِّبِينَ } يقول: ويل للذين كذّبوا رسل الله، فردّوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم، ونهيه لهم.