الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً }

يقول تعالى ذكره: إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً، برّوا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { يُوفُونَ بالنَّذْرِ } قال: إذا نذروا في حق الله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يُوفُونَ بالنَّذْرِ } قال: كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة، والحجّ والعمرة، وما افترض عليهم، فسماهم الله بذلك الأبرار، فقال: { يُوفُونَ بالنَّذْرِ ويَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً }. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { يُوفُونُ بالنَّذْرِ } قال: بطاعة الله، وبالصلاة، وبالحجّ، وبالعمرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: { يُوفُونَ بالنَّذْرِ } قال: في غير معصية. وفي الكلام محذوف اجتزىء بدلالة الكلام عليه منه، وهو كان ذلك. وذلك أن معنى الكلام: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً، كانوا يوفون بالنذر، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها والنذر: هو كلّ ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل ومنه قول عنترة:
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلمْ أشْتُمْهُما   والنَّاذِرَيْنَ إذا لَمْ ألْقَهُما دَمي
وقوله: { وَيخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } يقول تعالى ذكره: ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من برّ في يوم كان شرّه مستطيراً، ممتدّاً طويلاً فاشياً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَيخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } استطاروا الله شرّ ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحماً، ولا يتصدّق، ولا يصنع خيراً، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه، ويأتي ذلك، ومنه قولهم: استطار الصدع في الزجاجة واستطال: إذا امتدّ، ولا يقال ذلك في الحائط ومنه قول الأعشى:
فَبانَتْ وَقد أثأرَتْ فِي الفُؤَ   ادِ صَدْعا عَلى نَأَيِها مُسْتَطِيرَا
يعني: ممتدّاً فاشياً. وقوله: { وَيُطْعمُونَ الطَّعامَ على حُبِّهِ مِسْكيناً } يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء الأبرار يطعمون الطعام على حبهم إياه، وشهوتهم له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: { وَيُطْعمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ } قال: وهم يشتهونه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو العريان، قال: سألت سليمان بن قيس أبا مقاتل بن سليمان، عن قوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً } قال: على حبهم للطعام.

السابقالتالي
2 3