الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } * { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً }

يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء الأبرار حينئذ: إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثواباً على ما كنتم في الدنيا تعملون من الصالحات { وكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً } يقول: كان عملكم فيها مشكوراً، حمدكم عليه ربكم، ورضيه لكم، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة عليه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّ هَذَا كانَ لَكُمْ جَزَاءً وكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً } غفر لهم الذنب، وشكر لهم الحسن. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: تلا قتادة { وكانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً } قال: لقد شَكر الله سعياً قليلاً. وقوله: { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ تَنْزِيلاً } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا نحن نزّلنا عليك يا محمد هذا القرآن تنزيلاً، ابتلاء منا واختباراً { فاصْبِرْ لِحُكُمِ رَبِّكَ } يقول: اصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه، وتبليغ رسالاته، والقيام بما ألزمك القيام به في تنزيله الذي أوحاه إليك { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أو كَفُوراً } يقول: ولا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثماً يريد بركوبه معاصيه، أو كفوراً: يعني جحوداً لنعمه عنده، وآلائه قِبلَه، فهو يكفر به، ويعبد غيره. وقيل: إن الذي عني بهذا القول أبو جهل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أوْ كَفُوراً } قال: نزلت في عدوّ الله أبي جهل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه بلغه أن أبا جهل قال: لئن رأيت محمداً يصلي لأطأنّ عنقه، فأنزل الله: { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أوْ كَفُوراً }. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أوْ كَفُوراً } قال: الآثِم: المذنب الظالم والكفور، هذا كله واحد. وقيل: { أوْ كَفُوراً } والمعنى: ولا كفوراً. قال الفرّاء: «أو» ههنا بمنزلة الواو، وفي الجحد والاستفهام والجزاء تكون بمعنى «لا»، فهذا من ذلك مع الجحد ومنه قول الشاعر:
لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجَدْتُ وَلا   وَجْدُ عَجُولٍ أضَلَّها رُبَعُ
أوْ وَجْدُ شَيْخٍ أضَلَّ ناقَتَهُ   يَوْمَ تَوَافَى الْحَجِيجُ فانْدَفَعُوا
أراد: ولا وجدُ شيخ، قال: وقد يكون في العربية: لا تطيعنّ منهم من أثم أو كفر، فيكون المعنى في أو قريباً من معنى الواو، كقولك للرجل: لأعطينك سألت أو سكتّ، معناه: لأعطينك على كلّ حال.