الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً }

يعني جلّ ثناؤه بقوله: { هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ } قد أتى على الإنسان وهل في هذا الموضع خبر لا جحد، وذلك كقول القائل لآخر يقرّره: هل أكرمتك؟ وقد أكرمه أو هل زرتك؟ وقد زاره وقد تكون جحداً في غير هذا الموضع، وذلك كقول القائل لآخر: هل يفعل مثل هذا أحد؟ بمعنى: أنه لا يفعل ذلك أحد. والإنسان الذي قال جلّ ثناؤه في هذا الموضع { هَل أتَى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ }: هو آدم صلى الله عليه وسلم كذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ } آدم أتى عليه { حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً } إنما خلق الإنسان ههنا حديثاً ما يعلم من خليقة الله خليقةٌ كانت بعد الإنسان. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: { هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً } قال: كان آدم صلى الله عليه وسلم آخر ما خلق من الخلق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ } قال: آدم. وقوله: { حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ } اختلف أهل التأويل في قدر هذا الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو أربعون سنة وقالوا: مكثت طينة آدم مصوّرة لا تنفخ فيها الرّوح أربعين عاماً، فذلك قدر الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع قالوا: ولذلك قيل: { هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً } لأنه أتى عليه وهو جسم مصوّر لم تنفخ فيه الروح أربعون عاماً، فكان شيئاً، غير أنه لم يكن شيئاً مذكوراً قالوا: ومعنى قوله: { لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً }: لم يكن شيئاً له نباهة ولا رفعة، ولا شرف، إنما كان طيناً لازباً وحمأ مسنوناً. وقال آخرون: لا حدّ للحين في هذا الموضع وقد يدخل هذا القول من أن الله أخبَر أنه أتى على الإنسان حين من الدهر، وغير مفهوم في الكلام أن يقال: أتى على الإنسان حين قبل أن يوجد، وقبل أن يكون شيئاً، وإذا أُريد ذلك قيل: أتى حين قبل أن يُخلق، ولم يقل أتى عليه. وأما الدهر في هذا الموضع، فلا حدّ له يوقف عليه. وقوله: { إنَّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أمْشاجٍ نَبْتَلِيه } يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا ذرّية آدم من نطفة، يعني: من ماء الرجل وماء المرأة، والنطفة: كلّ ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة، أو غير ذلك، كما قال عبد الله بن رواحة:
هَلْ أنْتِ إلاَّ نُطْفَةٌ في شَنَّهْ   
وقوله: { أمْشاجٍ } يعني: أخلاط، واحدها: مشج ومشيج، مثل خدن وخدين ومنه قول رؤبة بن العجاج:

السابقالتالي
2 3