الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها { إنَّا لَقادِرُونَ على أنْ نُبَدّلَ خَيْراً مِنْهُمْ } يقول: إنا لقادرون على أن نهلكهم، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني { وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } يقول تعالى ذكره: وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه، فيعجزنا هرباً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب ابن إبراهيم، قال: ثنا علية، قال: أخبرنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: إن الشمس تطلع كلّ سنة في ثلاثمائة وستين كوّة، تطلع كلّ يوم في كوّة، لا ترجع إلى تلك الكوّة إلى ذلك اليوم من العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، تقول: ربّ لا تطلعني على عبادك، فإني أراهم يعصونك، يعملون بمعاصيك أراهم، قال: أو لم تسمعوا إلى قول أمية بن أبي الصلت:
حتى تُجَرَّ وتُجْلَدَ   
قلت: يا مولاه وتجلد الشمس؟ فقال: عَضَضْتَ بِهَنِ أبيك، إنما اضطره الرويّ إلى الجلد. حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن عمارة، عن عكرِمة، عن ابن عباس في قول الله: { رَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ } قال: إن الشمس تطلع من ثلاثمائة وستين مطلعاً، تطلع كلّ يوم من مطلع لا تعود فيه إلى قابل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، قال عكرِمة: فقلت له: قد قال الشاعر:
حتى تُجَرَّ وتُجْلَد   
قال: فقال ابن عباس: عضِضت بهن أبيك، إنما اضطره الرويّ. حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنا عمارة، عن عكرمة، عن ابن عباس: إن الشمس تطلع في ثلاثمائة وستين كوّة، فإذا طلعت في كوّة لم تطلع منها حتى العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { فَلا أُقْسِمُ بِرَبّ المَشارَقِ وَالمَغارِبِ } قال: هو مطلع الشمس ومغربها، ومطلع القمر ومغربه. وقوله: { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا } يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذر هؤلاء المشركين المهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين، يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في هذه الدنيا { حتى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } يقول: حتى يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي يوعدونه.