الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ }

يقول تعالـى ذكره: فأهلك الذين كذّبوا شعيبـاً فلـم يؤمنوا به، فأبـادهم، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء { كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها } يقول: كأن لـم ينزلوا قطّ، ولـم يعيشوا بها حين هلكوا، يقال: غَنِـيَ فلان بـمكان كذا فهو يَغْنَى به غِنًى وغُنِـيّا: إذا نزل به وكان به، كما قال الشاعر:
وَلَقَدْ يَغْنَى بِهِ جِيرانُكِ الْـ   مُـمِسْكُو مِنْكِ بعَهْدٍ وَوِصَالِ
وقال رُؤْبة:
وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعا   
إنـما هو مَفْعَل من غَنِـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، قال: ثنا معمر، عن قتادة: { كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها }: كأن لـم يعيشوا، كأن لـم ينعموا. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها } يقول: كأن لـم يعيشوا فـيها. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها } كأن لـم يكونوا فـيها قطّ. وقوله: { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبـاً كانُوا هُمُ الـخاسِرِينَ } يقول تعالـى ذكره: لـم يكن الذين اتبعوا شعيبـاً الـخاسرين، بل الذين كذبوه كانوا هم الـخاسرين الهالكين، لأنه أخبر عنهم جلّ ثناؤه أن الذين كذّبوا شعيبـاً قالوا للذين أرادوا اتبـاعه:لَئِنِ اتَّبَعْتُـمْ شُعَيْبـاً إنَّكُمْ إذًا لـخَاسِرُونَ } فكذّبهم الله بـما أحلّ بهم من عاجل نكاله، ثم قال لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ما خسر تُبَّـاع شعيب، بل كان الذين كذّبوا شعيبـاً لـما جاءت عقوبة الله هم الـخاسرين دون الذين صدّقوا وآمنوا به.