يقول تعالى ذكره معرّفاً خلقه ما أعدّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله، وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: { يا بَنِي آدَمَ إمَّا يَأتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعتي والانتهاء إلى أمري ونهيي { منكم } ، يعني: من أنفسكم، ومن عشائركم وقبائلكم. { يَقُصُّون عَلَيْكُمْ آياتِي } يقول: يتلون عليكم آيات كتابي، ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاءوكم به من عندي، وحقيقة ما دعوكم إليه من توحيدي. { فَمَنْ اتَّقَى وأصْلَحَ } يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رسلي مما قصّ عليه من آياتي وصدّق واتقى الله، فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه، على لسان رسوله. { وأَصْلَحَ } يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسداً قبل ذلك من معاصي الله بالتحوُّب منها. { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } يقول: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه. { وَلاهُمْ لا يَحْزنُونَ } على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها، وشهواتهم التي تجنبوها، اتباعاً منهم لنهي الله عنها إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام أبو عبد الله، قال: ثنا هياج، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي سيار السلمي، قال: إن الله جعل آدم وذرّيته في كفه، فقال: { يا بَنِي آدَمَ إمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقَى وأصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } ، ثم نظر إلى الرسل فقال:{ يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأنا رَبكُمْ فاتَّقُونِ } ثم بثهم. فإن قال قائل: ما جواب قوله: { إمَّا يأْتِنَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ }؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم في ذلك: الجواب مضمر، يدلّ عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قوله: { فَمَنِ اتَّقَى وأصْلَحَ } وذلك لأنه حين قال: { فمَنِ اتَّقَى وأصْلَحَ } كأنه قال: فأطيعوهم. وقال آخرون منهم: الجواب: «فمن اتقى»، لأن معناه، فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدلّ على أن ذلك كذلك، تبعيضه الكلام، فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر «منكم».