الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { قُلْ } يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت، ويحرّمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: { مَنْ حَرَّمَ } أيها القوم عليكم { زِينَةَ اللّهِ } التي خلقها لعباده أن تتزينوا بها وتتجملوا بلباسها، والحلال من رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم. واختلف أهل التأويل في المعنىّ بالطيبات من الرزق بعد إجماعهم على أن الزينة ما قلنا، فقال بعضهم: الطيبات من الرزق في هذا الموضع: اللحم، وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم. ذكر من قال ذلك منهم: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرّزْقِ } وهو الودك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرّزْقِ } الذي حرّموا على أنفسهم، قال: كانوا إذا حجوا أو اعتمروا حرّموا الشاة عليهم وما يخرج منها. وحدثني به يونس مرّة أخرى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال بن زيد، في قوله: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ }... إلى آخر الآية، قال: كان قوم يحرّمون ما يخرج من الشاة لبنها وسمنها ولحمها، فقال الله: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ } قال: والزينة من الثياب. حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن، قال: لما بعث محمداً فقال: هذا نبيي هذا خياري، استنّوا به خذوا في سنته وسبيله لم تُغلق دونه الأبواب ولم تُقم دونه الحُجُب، ولم يغد عليه بالجبار ولم يرجع عليه بها. وكان يجلس بالأرض، ويأكل طعامه بالأرض، ويلعق يده، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويردف عبده، وكان يقول: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته التاركين لها، ثم عُلوجاً فسَّاقاً، أكلة الربا والغلول، قد سفههم ربي ومقتهم، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا وزخرفوا هذه البيوت، يتأوّلون هذه الآية: { قُل مَنْ حَرمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِن الرّزْقِ } وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان، قد جعلها ملاعب لبطنه وفرجه من كلام لم يحفظه سفيان. وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرّم من البحائر والسوائب. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرّزقِ } وهو ما حرّم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام.

السابقالتالي
2 3