الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }

يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل للـمشركين: وإن تدعوا أيها الـمشركون آلهتكم إلـى الهدى، وهو الاستقامة إلـى السداد، { لا يَسْمَعُوا } يقول: لا يسمعوا دعاءكم. { وتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ وهُمْ لا يُبْصِرُونَ } وهذا خطاب من الله لنبـيه صلى الله عليه وسلم، يقول: وترى يا مـحمد آلهتهم ينظرون إلـيك وهم لا يبصرون. ولذلك وحد، ولو كان أمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بخطاب الـمشركين لقال: وترونهم ينظرون إلـيكم. وقد رُوي عن السديّ فـي ذلك ما: حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَإنْ تَدْعُوهُمْ إلـى الهُدَى لا يَسْمَعوا وَتَرَاهمْ يَنْظرُونَ إلَـيكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } قال: هؤلاء الـمشركين. وقد يحتـمل قول السديّ هذا أن يكون أراد بقوله: هؤلاء الـمشركون قول الله: { وَإنْ تَدْعُوهُمْ إلـى الهدَى لا يَسْمَعوا }. وقد كان مـجاهد يقول فـي ذلك ما: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: { وَتَرَاهُمْ يَنْظرُونَ إلَـيْكَ وَهمْ لا يُبْصِرُونَ } ما تدعوهم إلـى الهدى. وكأن مـجاهداً وجه معنى الكلام إلـى أن معناه: وترى الـمشركين ينظرون إلـيك وهم لا يبصرون. فهو وجه، ولكن الكلام فـي سياق الـخبر عن الآلهة فهو بوصفها أشبه. قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما معنى قوله: { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ وَهمْ لا يُبْصِرُونَ }؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلـى شيء ولا يراه؟ قـيـل: إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئاً أو حاذاه هو ينظر إلـى كذا، ويقال: منزل فلان ينظر إلـى منزلـي إذا قابله. وحُكي عنها: إذا أتـيت موضع كذا وكذا، فنظر إلـيك الـجبل، فخذ يـمينا أو شمالاً. وحدثت عن أبـي عُبـيد، قال: قال الكسائي: الـحائط ينظر إلـيك إذا كان قريبـا منك حيث تراه، ومنه قول الشاعر:
إذَا نَظَرَتْ بِلادَ بَنِـي تَـمِيـم   بِعَيْنٍ أوْ بِلادَ بَنِـي صُبـاحِ
يريد: تقابل نبتُها وعشبُها وتـحاذَى. فمعنى الكلام: وترى يا مـحمد آلهة هؤلاء الـمشركين من عبدة الأوثان يقابلونك ويحاذونك، وهم لا يبصرونك، لأنه لا أبصار لهم. وقـيـل: «وتراهم»، ولـم يقل: «وتراها»، لأنها صور مصوّرة علـى صور بنـي آدم.