الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر أيضاً يا مـحمد، إذ قالت أمة منهم، جماعة منهم لـجماعة كانت تعظ الـمعتدين فـي السبت وتنهاهم عن معصية الله فـيه: { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكهُمْ } فـي الدنـيا بـمعصيتهم إياه، وخلافهم أمره، واستـحلالهم ما حرّم علـيهم. { أوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } فـي الآخرة، قال الذين كانوا ينهونهم عن معصية الله مـجيبـيهم عن قولهم: عظتنا إياهم { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ } نؤدّي فرضه علـينا فـي الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر. { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقونَ } يقول: ولعلهم أن يتقوا الله فـيخافوه، فـينـيبوا إلـى طاعته ويتوبوا من معصيتهم إياه وتعدّيه علـى ما حرّم علـيهم من اعتدائهم فـي السبت. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن داود بن الـحصين، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: { قالُوا مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ } لسخطنا أعمالهم. { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }: أي ينزعون عما هم علـيه. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلَعلَّهُمْ يَتَّقُونَ } قال: يتركون هذا العمل الذي هم علـيه. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { قالُوا مَعْذِرَةً } فقرأ ذلك عامة قرّاء الـحجاز والكوفة والبصرة: «مَعْذِرَةٌ» بـالرفع علـى ما وصفت من معناها. وقرأ ذلك بعض أهل الكوفة: { مَعْذِرَةً } نصبـا، بـمعنى: إعذارا وعظناهم وفعلنا ذلك. واختلف أهل العلـم فـي هذه الفرقة التـي قالت: { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ } هل كانت من الناجية، أم من الهالكة؟ فقال بعضهم: كانت من الناجية، لأنها كانت من الناهية الفرقةَ الهالكة عن الاعتداء فـي السبت. ذكر من قال ذلك. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { وَإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } هي قرية علـى شاطىء البحر بـين مكة والـمدينة يقال لها أيـلة، فحرّم الله علـيهم الـحيتان يوم سبتهم، فكانت الـحيتان تأتـيهم يوم سبتهم شرّعاً فـي ساحل البحر، فإذا مضى يوم السبت لـم يقدروا علـيها، فمكثوا بذلك ما شاء الله. ثم إن طائفة منهم أخذوا الـحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفة وقالوا: تأخذونها وقد حرّمها الله علـيكم يوم سبتكم فلـم يزدادوا إلاَّ غيًّا وعتوًّا، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم. فلـما طال ذلك علـيهم قالت طائفة من النهاة: تعلـمون أن هؤلاء قوم قد حقّ علـيهم العذاب { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكهُمْ }؟ وكانوا أشدّ غضبـاً لله من الطائفة الأخرى، فقالوا: { معذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ وَلَعلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وكلّ قد كانوا ينهون. فلـما وقع علـيهم غضب الله، نـجت الطائفتان اللتان قالوا: { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ } ، والذين قالوا: { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ } ، وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الـحيتان، فجعلهم قردة وخنازير.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7