يقول تعالـى ذكره: ولـما رجع موسى إلـى قومه من بنـي إسرائيـل، رجع غضبـان أسفـاً، لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومُه، وأن السامريّ قد أضلهم، فكان رجوعه غضبـان أسفـاً لذلك. والأسف: شدّة الغضب والتغيظ به علـى من أغضبه. كما: حدثنـي عمران بن بكار الكُلاعي، قال: ثنا عبد السلام بن مـحمد الـحضرمي، قال: ثنـي شريح بن يزيد، قال: سمعت نصر بن علقمة، يقول: قال أبو الدرداء: قول الله: { غَضْبـانَ أسِفـاً } ، قال: الأسف: منزلة وراء الغضب أشدّ من ذلك، وتفسير ذلك فـي كتاب الله: ذهب إلـى قومه غضبـان، وذهب أسفـاً. وقال آخرون فـي ذلك ما: حدثنـي موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { أَسِفـاً } قال: حزينا. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { وَلـمَّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـاً } يقول: أسفـاً حزيناً. وقال فـي الزخرف فلـمَّا آسفُونَا يقول: أغضبونا. والأسف علـى وجهين: الغضب والـحزن. حدثنا نصر بن علـيّ، قال: ثنا سلـيـمان بن سلـيـمان، قال: ثنا مالك بن دينار، قال: سمعت الـحسن يقول فـي قوله: { وَلـمَّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـاً } قال: غضبـان حزيناً. وقوله قال: { بِئْسَما خَـلَفْتُـمُونِـي مِنْ بَعْدِي } يقول: بئس الفعل فعلتـم بعد فراقـي إياكم وأولـيتـمونـي فـيـمن خـلفت من ورائي من قومي فـيكم ودينـي الذي أمركم به ربكم. يقال منه: خـلفه بخير وخـلفه بشرّ إذا أولاه فـي أهله أو قومه ومن كان منه بسبـيـل من بعد شخوصه عنهم خيراً أو شرّاً. وقوله: { أعَجِلْتُـمْ أمْرَ رَبِّكُمْ } يقول: أسبقتـم أمر ربكم فـي نفوسكم، وذهبتـم عنه؟ يقال منه: عجل فلان هذا الأمر: إذا سبقه، وعجل فلانٌ فلاناً إذا سبقه، ولا تعجَلنـي يا فلان: لا تذهب عنـي وتدعنـي، وأعجلته: استـحثثته. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وألْقَـى الألْوَاحَ وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَـيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِـي وكادُوا يَقْتُلُونَنِـي }. يقول تعالـى ذكره: وألقـى موسى الألواح. ثم اختلف أهل العلـم فـي سبب إلقائه إياه، فقال بعضهم: ألقاها غضبـاً علـى قومه الذي عبدوا العجل. ذكر من قال ذلك: حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبـي أيوب قال: ثنـي سعيد بن جبـير، قال: قال ابن عبـاس: { وَلـمَّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـاً } فأخذ برأس أخيه يجرّه إلـيه، وألقـى الألواح من الغضب. وحدثنـي عبد الكريـم، قال: ثنا إبراهيـم بن بشار، قال: ثنا ابن عيـينة، قال: قال أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: لـما رجع موسى إلـى قومه، وكان قريبـاً منهم، سمع أصواتهم فقال: إنـي لأسمع أصوات قوم لاهين.