الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء موسى للوقت الذي وعدنا أن يـلقانا فـيه، وكلَّـمه ربه وناجاه، قال موسى لربه: { أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ } قال الله له مـجيبـاً: { لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ }. وكان سبب مسألة موسى ربه النظر إلـيه، ما: حدثنـي به موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: إن موسى علـيه السلام لـما كلَّـمه ربه أحبّ أن ينظر إلـيه، { قالَ رَبِّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِـي }. فحفّ حول الـجبل، وحفّ حول الـملائكة بنار، وحفّ حول النار بـملائكة، وحفّ حول الـملائكة بنار، ثم تـجلـى ربه للـجبل. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله:وَقَرَّبْناهُ نَـجِيًّا } قال: ثنـي من لقـي أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرّبه الربّ سبحانه وتعالى حتـى سمع صريف القلـم، فقال عند ذلك من الشوق إلـيه: { رَبّ أرِنِـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَنِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ }. حدثنا القاسم، قال: ثنـي الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر الهذلـيّ، قال: لـما تـخـلف موسى علـيه السلام بعد الثلاثـين، حتـى سمع كلام الله اشتاق إلـى النظر إلـيه، فقال: { رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي } ولـيس لبشر أن يطيق أن ينظر إلـيّ فـي الدنـيا، من نظر إلـيّ مات. قال: إلهي سمعت منطقك واشتقت إلـى النظر إلـيك، ولأن أنظر إلـيك ثم أموت أحبّ إلـيّ من أن أعيش ولا أراك قال: فـانظر إلـى الـجبل، فإن استقرّ مكانه فسوف ترانـي. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قال: أعطنـي. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: استـخـلف موسى هارون علـى بنـي إسرائيـل، وقال: إنـي متعجل إلـى ربـي، فـاخـلفنـي فـي قومي، ولا تتبع سبـيـل الـمفسدين فخرج موسى إلـى ربه متعجلاً للقـيّه شوقاً إلـيه، وأقام هارون فـي بنـي إسرائيـل، ومعه السامريّ يسير بهم علـى أثر موسى لـيـلـحقهم به. فلـما كلـم الله موسى، طمع فـي رؤيته، فسأل ربه أن ينظر إلـيه، فقال الله لـموسى: { إنَّكَ لَنْ تَرَانِـي ولكن انْظر إلـى الـجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَرانِـي... } الآية: قال ابن إسحاق: فهذا ما وصل إلـينا فـي كتاب الله عن خبر موسى لـما طلب النظر إلـى ربه. وأهل الكتاب يزعمون وأهل التوراة، أن قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثـيرة ومراجعة لـم تأتنا فـي كتاب الله، والله أعلـم. قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلـم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب: إنهم يجدون فـي تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلـى ربه أنه كان من كلامه إياه حين طمع فـي رؤيته، وطلب ذلك منه، وردّ علـيه ربه منه ما ردّ، أن موسى كان تطهَّر وطهَّر ثـيابه وصام للقاء ربه فلـما أتـى طور سينا، ودنا الله له فـي الغمام فكلـمه، سبحه وحمده وكبره وقدّسه، مع تضرّع وبكاء حزين، ثم أخذ فـي مدحته، فقال: ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله، من عظمتك أنه لـم يكن شيء من قبلك، فأنت الواحد القهار، كان عرشك تـحت عظمتك نار توقد لك، وجعلت سرادق من دونه سرادق من نور، فما أعظمك ربّ، وأعظم ملكك، جعلت بـينك وبـين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام، فما أعظمك ربّ وأعظم ملكك فـي سلطانك، فإذا أردت شيئا تقضيه فـي جنودك الذين فـي السماء، أو الذين فـي الأرض، وجنودك الذين فـي البحر، بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من خـلقك إلاَّ أنت إن شئت، فدخـلت فـي جوف من شئت من أنبـيائك، فبلغوا لـما أردت من عبـادك، ولـيس أحد من ملائكتك يستطيع شيئاً من عظمتك، ولا من عرشك، ولا يسمع صوتك، فقد أنعمت علـيّ، وأعظمت علـيّ فـي الفضل، وأحسنت إلـيّ كلّ الإحسان، عظمتنـي فـي أمـم الأرض، وعظمتنـي عند ملائكتك، وأسمعتنـي صوتك، وبذلت لـي كلامك، وآتـيتنـي حكمتك، فإن أعدّ نعماك لا أحصيها، وإن أردت شكرك لا أستطيعها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8