الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

يقول تعالـى ذكره: قال قوم موسى لـموسى حين قال لهم استعينوا بـالله واصبروا: { أُوذِينا } بقتل أبنائنا { مِنْ قبلِ أنْ تأْتِـيَنا } يقول: من قبل أن تأتـينا برسالة الله إلـينا لأن فرعون كان يقتل أولادهم الذكور حين أظله زمان موسى علـى ما قد بـينت فـيـما مضى من كتابنا هذا. وقوله: { وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا } يقول: ومن بعد ما جئتنا برسالة الله، لأن فرعون لـما غُلبت سحرته وقال للـملأ من قومه ما قال، أراد تـجديد العذاب علـيهم بقتل أبنائهم واستـحياء نسائهم. وقـيـل: إن قوم موسى قالوا لـموسى ذلك حين خافوا أن يدركهم فرعون وهم منه هاربون، وقد تراءى الـجمعان، ف { قالوا } له يا موسى { أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتـيَنا } كانوا يذبحون أبناءنا ويستـحيون نساءنا، { وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا } الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل االتأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتِـيَنا } من قبل إرسال الله إياك وبعده. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: فلـما تراءى الـجمعان فنظرت بنو إسرائيـل إلـى فرعون قد ردفهم، قالوا: إنَّا لـمُدْرَكُونَ وقالوا: { أوذِيَنا مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتِـيَنَا }. كانوا يذبحون أبناءنا ويستـحيون نساءنا. { ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنَا } الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا، إنَّا لَـمُدْرَكُونَ. حدثنـي عبد الكريـم، قال: ثنا إبراهيـم، قال: ثنا سفـيان، قال: ثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: سار موسى ببنـي إسرائيـل حتـى هجموا علـى البحر، فـالتفتوا فإذا هم برَهْج دوابّ فرعون، فقالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتـينا ومن بعد ما جئتنا، هذا البحر أمامنا وهذا فرعون بـمن معه { قال عَسَى رَبكُمْ أنْ يَهْلِكَ عَدْوَّكُمْ وَيَسْتَـخْـلِفَكُمْ فـي الأرْضِ فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }. وقوله: { قالَ عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يُهْلكَ عَدُوَّكُمْ } يقول جلّ ثناؤه: قال موسى لقومه: لعلّ ربكم أن يهلك عدوّكم: فرعون وقومه، { ويَسْتَـخْـلِفَكُمْ } يقول: يجعلكم تـخـلفونهم فـي أرضهم بعد هلاكهم، لا تـخافونهم ولا أحداً من الناس غيرهم { فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } يقول: فـيرى ربكم ما تعملون بعدهم من مسارعتكم فـي طاعته وتثاقلكم عنها.