يقول تعالى ذكره: والله الذي له العبادة خالصة لا شركة فيه لشيء سواه، هو الإله { الَّذي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فأخْرَجْنا به نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء من غذاء الأنعام والبهائم والطير والوحش، وأرزاق بني آدم وأقواتهم ما يتغذّون به ويأكلونه فينبتون عليه وينمون. وإنما معنى قوله: { فَأخْرَجْنَا بِهِ نَباتَ كُلّ شَيْءٍ }: فأخرجنا به ما ينبت به كلّ شيء وينمو عليه ويصلح. ولو قيل معناه: فأخرجنا به نبات جميع أنواع النبات فيكون كلّ شيء هو أصناف النبات، كان مذهباً وإن كان الوجه الصحيح هو القول الأوّل. وقوله: { فأخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً } يقول: فأخرجنا منه يعني من الماء الذي أنزلناه من السماء خضراً رطباً من الزرع والخَضِرُ: هو الأخضر، كقول العرب: أرنيها نَمرَةً أُرِكْها مَطِرَةً، يقال: خَضِرَت الأرضُ خَضَراً وَخَضارة، والخضر: رطب البقول، ويقال: نخلة خضيرة: إذا كانت ترمي ببسرها أخضر قبل أن ينضج، وقد اختُضر الرجل واغتضر: إذا مات شابًّا مصححاً، ويقال: هو لك خضراً مضراً: أي هنيئاً مريئاً. قوله: { نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِباً } يقول: نخرج من الخضر حبًّا، يعني: ما في السنبل، سنبل الحنطة والشعير والأرز، وما أشبه ذلك من السنابل التي حبها يركب بعضه بعضاً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: { مِنْه خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِباً } فهذا السنبل. القول في تأويل قوله تعالى: { وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ }. يقول تعالى ذكره: ومن النخل من طلعها قنوان دانية ولذلك رفعت «القنوان». والقنوان: جمع قِنْو، كما الصنوان: جمع صِنْو، وهو العِذْق، يقال للواحد: هو قِنو وقُنْو وقَنَا: يثنى قِنوانِ، ويجمع قِنوانٌ وقُنْوانٌ، قالوا في جمع قليله: ثلاثة أقناء، والقِنْوان: من لغة الحجاز، والقنوان: من لغة قيس وقال امرؤ القيس:
فأثَّتْ أعالِيهِ وآدَتْ أُصُولُهُ
وَمالَ بِقِنْوَانٍ مِنَ البُسْرِ أحْمَرَا
وقنيان جميعاً وقال آخر:
لَهَا ذَنَبٌ كالْقِنْوِ قَدْ مَذِلَتْ بِهِ
وأسْحَمَ للتَّخْطارِ بَعْدَ التَّشَذُّرِ
وتميم تقول: قنيان بالياء. ويعني بقوله: «دانية»: قريبة متهدلة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } يعني بالقنوان الدانية: قصار النخل لاصقة عذوقها بالأرض. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { مِنْ طَلْعِها قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } قال: عذوق متهدلة. حدثنا محمد بن الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } يقول: متهدلة.