الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به الآلهة والأنداد، يخبر عباده أنه يقول لهم عند ورودهم عليه: { لقد جئتمونا فرادى } ويعني بقوله: فرادى»: وحداناً لا مال معهم ولا أثاث ولا رفيق ولا شيء مما كان الله خوّلهم في الدنيا. { كمَا خَلَقْناكُمْ أوَّل مَرَّة } عُراة غُلْفاً غُرْلاً حفاة كما ولدتهم أمهاتهم، وكما خلقهم جلّ ثناؤه في بطون أمهاتهم، لا شيء عليهم ولا معهم مما كانوا يتباهون به في الدنيا. وفرادى: جمع، يقال لواحدها: فرد، كما قال نابغة بني ذُبيان:
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشِيَ أكَارِعُهُ   طاوِي المَصِيرِ كسَيْفِ الصَّيْقَل الفَرَدِ
وفَرَد وفَرِيد، كما يقال: وَحَد ووَحِد ووَحِيد في واحد «الأوحاد»، وقد يجمع الفَرْد الفُراد، كما يجمع الوَحْد الوُحَاد، ومنه قول الشاعر:
ترَى النُّعَراتِ الزُّرْقِ فوقَ لَبانه   فُرادَ وَمَثْنَى أصْعَقَتْها صَوَاهِلُهْ
وكان يونس الجرميّ فيما ذكر عنه يقول: فراد: جمع فرد، كما قيل: توأم وتؤام للجيمع، ومنه الفرادى والرُّدَافى والغوانى. ويقال: رجل فرد، وامرأة فَرْد، إذا لم يكن لها أخ، وقد فَرَدَ الرجل فهو يَفْرُد فُروداً، يراد به تفرد، فهو فارد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: أخبرني عمرو أن ابن أبي هلال حدثه أنه سمع القرطبي يقول: قرأت عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قول الله: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوَّل مَرَّةٍ } فقالت: واسوأتاه، إن الرجال والنساء يحشرون جميعاً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ، لا يَنْظُرُ الرّجالُ إلى النِّساءِ ولا النِّساءُ إلى الرّجالِ، شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ". وأما قوله: { وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } فإنه يقول: خَلَّفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به فيها خلفكم في الدنيا، فلم تحملوه معكم. وهذا تعبير من الله جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم التي كانوا يتباهون بها في الدنيا بأموالهم، وكلّ ما مَلَّكته غيرَك وأعطيته فقد خوّلته، يقال منه: خال الرجل يخال أشدّ الخيال بكسر الخاء، وهو خائل، ومنه قول أبي النجم:
أعْطَى فلمْ يَبْخَلْ وَلمْ يُبَخَّلِ   كُومَ الذُّرَا مِنْ خَوَلِ المُخَوِّلِ
وقد ذكر أن أبا عمرو بن العلاء كان ينشد بين زهير:
هنالكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المَالَ يُخْوِلُوا   وَإنْ يُسألُوا يُعْطُوا وَإنْ يُيْسِرُوا يُغلُوا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ } من المال والخدم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } في الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: { وَما نَرَى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ }.

السابقالتالي
2 3