يقول تعالى ذكره: { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } وما أجلوا الله حقّ إجلاله، ولا عظموه حقّ تعظيمه. { إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } يقول: حين قالوا: لم ينزل الله على آدمي كتاباً ولا حياً. واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: { إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } وفي تأويل ذلك فقال بعضهم: كان قائل ذلك رجلاً من اليهود. ثم اختلفوا في اسم ذلك الرجل، فقال بعضهم: كان اسمه مالك بن الصيف. وقال بعضهم: كان اسمه فَنْحاص. واختلفوا أيضاً في السبب الذي من أجله قال ذلك. ذكر من قال: كان قائل ذلك مالك بن الصيف: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سيعد بن جبير، قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أنْشُدكَ بالذِي أنْزَلَ التوْرَاةَ على مُوسَى، أما تَجِد فِي التوْرَاةِ أنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الحَبْر السَّمِينَ؟ " وكان حبراً سميناً، فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله: { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى }... الآية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } قال: نزلت في مالك بن الصيف كان من قريظة من أحبار اليهود{ قُلْ يا مُحَمَّدُ مَنْ أنْزَلَ الكِتابِ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى للنَّاسِ } الآية. ذكر من قال: نزلت في فنحاص اليهودي: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } قال: قال فنحاص اليهودي: ما أنزل الله على محمد من شيء. وقال آخرون: بل عنى بذلك جماعة من اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم آيات مثل آيات موسى. ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد، قال: ثنا يونس، قال: ثنا أبو معشر المدني، عن محمد بن كعب القرظي، قال: جاء ناس من يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُحْتَبٍ، فقالوا: يا أبا القاسم، ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحاً يحملها من عند الله فأنزل الله:{ يَسألُكَ أهْلُ الكِتابِ أن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سألُوا مُوسَى أكْبَرَ مِنَ ذَلِكَ فَقالُوا أرِنا اللَّهَ جَهْرَةً }