الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }

يعني تعالى ذكره بقوله: { أُولَئِكَ } هؤلاء الذين سميناهم من أنبيائه ورسله نوحاً وذرّيته الذين هداهم لدين الإسلام واختارهم لرسالته إلى خلقه، هم { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ } يعني بذلك صحف إبراهيم وموسى وزَبور داود وإنجيل عيسى صلوات الله عليهم أجمعين. { والحُكْمَ } يعني: الفهم بالكتاب ومعرفة ما فيه من الأحكام. ورُوِي عن مجاهد في ذلك ما: حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا أبان، قال: ثنا مالك بن شدّاد، عن مجاهد: { والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ } قال: الحكم: هو اللبّ. وعنى بذلك مجاهد إن شاء الله ما قلت لأن اللبّ هو العقل، فكأنه أراد: أن الله آتاهم العقل بالكتاب، وهو بمعنى ما قلنا أنه الفهم به. وقد بينا معنى النبوّة والحكم فيما مضى بشواهدهما، فأغنى ذلك عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: { فإنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بكافِرِينَ }. يقول تعالى ذكره: فإن يكفر يا محمد بآيات كتابي الذي أنزلته إليك، فيجحد هؤلاء المشركون العادلون بربهم، كالذي: حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { فإنْ يَكْفُرْ بِها هَؤُلاءِ } يقول: إن يكفروا بالقرآن. ثم اختلف أهل التأويل في المعني بهؤلاء، فقال بعضهم: عُني بهم كفار قريش، وعنى بقوله: { فَقَدْ وَكَّلْنَا بها قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرينَ } الأنصار. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله الله تعالى: { فإنْ يَكْفُرْ بهَا هَؤلاءِ } قال: أهل مكة، فقد وكلنا بها أهل المدينة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك: { فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْما لَيْسُوا بِها بكافِرينَ } قال: الأنصار. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك: { فإنْ يَكْفُرْ بهَا هَؤلاءِ } قال: إن يكفر بها أهل مكة، فقد وكلنا بها أهل المدينة الأنصار ليسوا بها بكافرين. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { فإنْ يَكْفُرْ بهَا هَؤلاءِ } يقول: إن يكفر بها قريش فقد وكلنا بها الأنصار. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: { فإنْ يَكْفُرْ بهَا هَؤلاءِ } أهل مكة { فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْما لَيْسُوا بِهَا بِكافِرينَ } أهل المدينة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { فإنْ يَكْفُرْ بهَا هَؤلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِها قَوْماً لَيْسُوا بها بِكافِرِينَ } قال: كان أهل المدينة قد تبوّؤا الدار والإيمان قبل أن يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أنزل الله عليهم الآيات جحد بها أهل مكة، فقال الله تعالى: { فإنْ يَكْفُرْ بهَا هَؤلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِها قَوْما لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ }.

السابقالتالي
2