الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

وهذا تَنبيه من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم على حجته على مشركي قومه من عبدة الأوثان، يقول له تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأنداد والآمرين لك باتباع دينهم وعبادة الأصنام معهم، أندعو من دون الله حجراً أو خشباً لا يقدر على نفعنا أو ضرّنا، فنخصه بالعبادة دون الله، وندع عبادة الذي بيده الضرّ والنفع والحياة والموت، إن كنتم تعقلون فتميزون بين الخير والشرّ، فلا شكّ أنكم تعلمون أن خدمة ما يرتجى نفعه ويرهب ضرّه أحقّ وأولى من خدمة من لا يرجى نفعه ولا يخشى ضرّه. { ونُرَدُّ على أَعْقَابِنَا } يقول: ونردّ إلى أدبارنا فنرجع القهقري خلفنا لم نظفر بحاجتنا. وقد بينا معنى الردّ على العقب، وأن العرب تقول لكلّ طالب حاجة لم يظفر بها ردّ على عقبيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وإنما يراد به في هذا الموضع: ونرد من الإسلام إلى الكفر بعد إذ هدانا الله فوفقنا له، فيكون مثَلنا في ذلك مثَل الرجل الذي اسْتتبعه الشيطان يهوى في الأرض حيران. وقوله: { اسْتَهْوَتْه } ُ: استفعلته، من قول القائل: هوى فلان إلى كذا يهوي إليه، ومن قول الله تعالى ذكره:فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ } بمعنى: تنزع إليهم وتريدهم. وأما حيران: فإنه فعلان من قول القائل: قد حار فلان في الطريق فهو يحار فيه حَيْرةً وحَيَراناً وحَيْرُورَةً، وذلك إذا ضلّ فلم يهتد للمحجة له أصحاب يدعونه إلى الهدى، يقول: لهذا الحيران الذي قد استهوته الشياطين في الأرض أصحاب على المحجة واستقامة السبيل، يدعونه إلى المحجة لطريق الهدى الذي هم عليه، يقولون له: ائتنا وترك إجراء حيران، لأن «فعلان»، وكل اسم كان على «فعلان» مما أنثاه «فعلى» فإنه لا يُجرى في كلام العرب في معرفة ولا نكرة. وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن كفر بالله بعد إيمانه فاتبع الشياطين من أهل الشرك بالله وأصحابه الذين كانوا أصحابه في حال إسلامه المقيمون على الدين الحقّ يدعونه إلى الهدى الذي هم عليه مقيمون والصواب الذي هم به متمسكون، وهو له مفارق وعنه زائل، يقولون له: ائْتنا، فكن معنا على استقامة وهدى وهو يأبى ذلك، ويتبع دواعي الشيطان ويعبد الآلهة والأوثان. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل، وخالف في ذلك جماعة. ذكر من قال ذلك: مثل ما قلنا حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { قُلْ أنَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ على أعْقابِنا بَعْدَ إذْ هَدَانا اللّهُ كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أصحَابٌ يَدْعُونَهُ إلى الهُدَى ائْتِنا } قال: قال المشركون للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى ذكره: { قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا } ولا يضرّنا هذه الآلهة ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، فيكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين في الأرض، يقول: مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان كمثل رجل كان مع قوم على الطريق، فضلّ الطريق، فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض، وأصحابه على الطريق، فجعلوا يدعونه إليهم، يقولون ائتنا فإنا على الطريق، فأبى أن يأتيهم.

السابقالتالي
2 3 4