الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ }

يقول تعالى ذكره: إن كان عظم عليك يا محمد إعراض هؤلاء المشركين عنك وانصرافهم عن تصديقك فيما جئتهم به من الحقّ الذي بعثتك به، فشقّ ذلك عليك ولم تصبر لمكروه ما ينالك منهم { فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ } يقول: فإن استطعت أن تتخذ سَرَباً في الأرض، مثل نافقاء اليربوع، وهي أحد جِحَرَتِه، فتذهب فيه { أوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ } يقول: أو مصعداً تصعد فيه كالدرج وما أشبهها، كما قال الشاعر:
لا يُحْرِزُ المَرْءَ أحْجاءُ البلادِ وَلا   يُبْنَي لَهُ في السَّمَوَاتِ السَّلاليمُ
{ فَتَأْتِيَهُمْ بآيَةٍ } يعني بعلامة وبرهان على صحة قولك غير الذي أتيتك، فافعل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { وَإنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْرَاضُهُمْ فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ } والنفق: السرب، فتذهب فيه فتأتيهم بآية، أو تجعل لك سلماً في السماء، فتصعد عليه فتأتيهم بآية أفضل مما أتيناهم به فافعل. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ } قال: سرباً، { أوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ } قال: يعني الدرج. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَإنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْرَاضُهُمْ فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ } أما النفق: فالسرب، وأما السلم: فالمصعد. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: { نَفَقاً فِي الأرْضِ } قال: سرباً. وترك جواب الجزاء، فلم يذكر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامعين بمعناه، وقد تفعل العرب ذلك فيما كان يفهم معناه عند المخاطبين به، فيقول الرجل منهم للرجل: إن استطعت أن تنهض معنا في حاجتنا إن قدرت على معونتنا، ويحذف الجواب، وهو يريد: إن قدرت على معونتنا فافعل، فأما إذا لم يعرف المخاطب والسامع معنى الكلام إلا بإظهار الجواب لم يحذفوه، لا يقال: إن تقم، فتسكت وتحذف الجواب لأن المقول ذلك له لا يعرف جوابه إلا بإظهاره، حتى يقال: إن تقم تصب خيراً، أو: إن تقم فحسن، وما أشبه ذلك. ونظير ما في الآية مما حذف جوابه وهو مراد لفهم المخاطب لمعنى الكلام قول الشاعر:
فَتحَط مِمَّا نَعِيشُ ولا تَذْ   هَبْ بكِ التُّرَّهاتُ في الأهْوَالِ
والمعنى: فبحظ مما نعيش فعيشي. القول في تأويل قوله تعالى: { وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ على الهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الجاهِلِينَ }.

السابقالتالي
2