الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }

يعني تعالى ذكره بقوله: { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ } قد هلك ووكس في بيعهم الإيمان بالكفر الذين كذّبوا بلقاء الله، يعني: الذين أنكروا البعث بعد الممات والثواب والعقاب والجنة والنار، من مشركي قريش ومن سلك سبيلهم في ذلك. { حتى إذَا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ } يقول: حتى إذا جاءتهم الساعة التي يبعث الله فيها الموتى من قبورهم. وإنما أدخلت الألف واللام في «الساعة»، لأنها معروفة المعنى عند المخاطبين بها، وأنها مقصود بها قصد الساعة التي وصفت. ويعني بقوله: { بَغْتَةً }: فجأة من غير علم مَن تفجؤه بوقت مفاجأتها إياه، يقال منه: بغتُّه أبغته بَغْتَة: إذا أخذتَه، كذلك { قالُوا يا حَسْرَتَنا على ما فَرَّطْنا فِيها } يقول تعالى ذكره: وكس الذين كذّبوا بلقاء الله، ببيعهم منازلهم من الجنة بمنازل من اشتروا منازله من أهل الجنة من النار، فإذا جاءتهم الساعة بغتة، قالوا إذا عاينوا ما باعوا وما اشتروا وتبيَّنوا خسارة صفقة بيعهم التي سلفت منهم في الدنيا تندماً وتلهفاً على عظيم الغبن الذي غَبنوه أنفسهم وجليل الخسران الذي لا خسران أجلّ منه: { يا حَسْرَتَنا على ما فَرَّطْنا فِيها } يقول: يا ندامتنا على ما ضيعنا فيها يعني في صفقتهم تلك. والهاء والألف في قوله: { فِيها } من ذكر الصفقة، ولكن اكتفى بدلالة قوله: { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ } عليها من ذكرها، إذ كان معلوماً أن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع قد خسرت. وإنما معنى الكلام: قد وكس الذين كذّبوا بلقاء الله، ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به من الله رضوانه وجنته بالكفر الذي يستوجبون به منه سخطه وعقوبته، ولا يشعرون ما عليهم من الخسران في ذلك حتى تقوم الساعة، فإذا جاءتهم الساعة بغتة فرأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم قالوا حينئذ تندماً. { يا حَسْرَتَنا على ما فَرَّطْنا فِيها }. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: { يا حَسْرَتَنا على ما فَرَّطْنا فِيها } أما «يا حسرتنا»: فندامتنا على ما فرّطنا فيها فضيعنا من عمل الجنة. حدثنا محمد بن عمارة الأسديّ، قال: ثنا يزيد بن مهران، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله: { يا حَسْرَتَنا } قال: " يَرَى أهْلُ النَّارِ مَنازِلَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ فَيَقُولُونَ يا حَسْرَتَنا " القول في تأويل قوله تعالى: { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ }. يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين كذّبوا بلقاء الله { يَحْمِلُونَ أوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ }. وقوله { وَهُمْ } من ذكرهم.

السابقالتالي
2