الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام من قومك يا محمد من يستمع إليك، يقول: من يستمع القرآن منك، ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك وأمره ونهيه، ولا يفقه ما تقول ولا يوعيه قلبه، ولا يتدبره ولا يصغي له سمعه ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك، إنما يسمع صوتك وقراءتك وكلامك، ولا يعقل عنك ما تقول لأن الله قد جعل على قلبه أكنّة. وهي جمع كنان، وهو الغطاء مثل سنان وأسنة، يقال منه: أكننت الشيء في نفسي بالألف، وكنَنَتُ الشيء إذا غطيته، ومن ذلك بَيْضٌ مَكْنُونٌ وهو الغطاء، ومنه قول الشاعر:
تَحْتَ عَيْنٍ كِنانُنا   ظِلُّ بُرْدٍ مُرَحَّلُ
يعني غطاءهم الذي يكنّهم. { وفِي آذَانهِمْ وَقْراً } يقول تعالى ذكره: وجعل في آذانهم ثقلاً وصمماً عن فهم ما تتلو عليهم والإصغاء لما تدعوهم إليه. والعرب تفتح الواو من «الوَقْر» في الأذن: وهو الثقل فيها، وتكسرها في الحمل، فتقول: هو وِقْر الدابة، ويقال من الحِمل: أوقرت الدابة فهي مُوقَرة، ومن السمع: وقرت سمعه فهو موقور، ومنه قول الشاعر:
ولي هامَةٌ قَدْ وَقَرَ الضِّرْبُ سَمْعَها   
وقد ذكر سماعاً منهم: وقَرَتْ أذنه: إذا ثقلت، فهي موقورة، وأوقَرت النخلة فهي مُوقر، كما قيل: امرأة طامث وحائض، لأنه لاحظّ فيه للمذكر، فإذا أريد أن الله أوقرها قيل موقرة. وقال تعالى ذكره: { وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ } بمعنى: أن لا يفقهوه، كما قال:يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } بمعنى: أن لا تضلوا، لأن الكنّ إنما جعل على القلب لئلا يفقهه لا ليفقهه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } قال: يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئاً، كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } أما أكنة: فالغطاء، أكنّ قلوبهم لا يفقهون الحقّ، { وفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } قال صمم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ } قال: قريش. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: { وَإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حتى إذَا جَاءُوكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلاَّ أساطِيرُ الأوَّلِينَ }. يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام، الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك، { كُلَّ آيَةٍ }: يقول: كل حجة وعلامة تدلّ أهل الحِجا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبّوتك { لا يُؤْمِنُوا بِها } يقول: لا يصدّقون بها ولا يقرّون بأنها دالة على ما هي عليه دالة.

السابقالتالي
2