الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }

يقول تعالى ذكره: ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك إذ فتناهم فاختبرناهم، { إلاَّ أنْ قالُوا وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ } كذباً منهم في أيمانهم على قيلهم ذلك. ثم اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته جماعة من قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: «ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ» بالنصب، بمعنى: لم يكن اختبارنا لهم إلاَّ قيلهم { وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ } غير أنهم يقرءون { تَكُنْ } بالتاء على التأنيث وإن كانت للقول لا للفتنة لمجاورته الفتنة وهي خبر، وذلك عند أهل العربية شاذّ غير فصيح في الكلام وقد رُوِي بيت للبيد بنحو ذلك، وهو قوله:
فَمَضَى وَقَدَّمَها وكانَتْ عادَةً   منهُ إذا هيَ عَرَّدَتْ إقْدامُها
فقال: «وكانت» بتأنيث الإقدام لمجاورته قوله: عادة. وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفيين: «ثمَّ لَمْ يَكُنْ» بالياء «فِتْنَتَهُمْ» بالنصب { إلاَّ أنْ قالُوا } بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم، غير أنهم ذكروا يكون لتذكير أن وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب، لأن «أنْ» أثبت في المعرفة من الفتنة. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } فقال بعضهم: معناه: ثم لم يكن قولهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال قتادة في قوله: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } قال: مقالتهم. قال معمر: وسمعت غير قتادة يقول: معذرتهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } قال: قولهم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلاَّ أنْ قالُوا... } الآية، فهو كلامهم، قالوا: { واللّهِ رَبِّنَا ما كُنَا مُشْرِكِينَ }. حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال سمعت الضحاك: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُم } ْ يعني كلامهم. وقال آخرون: معنى ذلك معذرتهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } قال: معذرتهم. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلاَّ أنْ قالُوا وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ } يقول: اعتذارهم بالباطل والكذب. والصواب من القول في ذلك أن يقال معناه: ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم اعتذاراً مما سلف منهم من الشرك بالله، { إلا أنْ قالُوا وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ } فوضعت الفتنة موضع القول لمعرفة السامعين معنى الكلام.

السابقالتالي
2