الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }

يقول تعالى ذكره: وهذا كتاب أنزلناه مبارك، لئلا يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريش: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أو لئلا يقولوا: { لَوْ أنَّا أنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابَ } كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه ونهينا، وبَيَّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه. { لَكُنَّا أهْدَى مِنْهُمْ }: أي لكنا أشدّ استقامة على طريق الحقّ واتباعاً للكتاب، وأحسن عملاً بما فيه من الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا. يقول الله: { فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } يقول: فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربيّ مبين، حجة عليكم واضحة بينة من ربكم. { وَهُدًى } يقول: وبيان للحقّ، وفرقان بين الصواب والخطأ. { وَرَحْمَةً } لمن عمل به واتبعه. كما: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { أوْ تَقُولُوا لَوْ أنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكَتابُ لَكُنَّا أهدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } يقول: قد جاءكم بينة لسان عربيّ مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { أوْ تَقُولُوا لَوْ أنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنَّا أهْدَى مِنْهُمْ } فهذا قول كفار العرب، { فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ }. القول في تأويل قوله تعالى: { فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بآياتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجزْي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ }. يقول جلّ ثناؤه: فمن أخطأُ فعلاً وأشدّ عدواناً منكم أيها المشركون، المكذّبون بحجج الله وأدلته وهي آياته. { وَصَدَفَ عَنْها } يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن بها ولم يصدّق بحقيقتها. وأخرج جلّ ثناؤه الخبر بقوله: { فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بآياتِ اللّهِ } مخرج الخبر عن الغائب، والمعنّي به المخاطبون به من مشركي قريش. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: { وَصَدَفَ عَنْها } قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { وَصَدَفَ عَنْها } يقول: أعرض عنها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا }: يعرضون عنها، والصدف: الإعراض. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَصَدَفَ عَنْها } أعرض عنها، { سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كانُوا يَصْدِفُونَ } أي يعرضون. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَصَدَفَ عَنْها } فصدّ عنها. وقوله: { سَنَجزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الَعَذَابِ } يقول: سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها ولا يتعرّفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله وحقية نبوّة نبيه وصدق ما جاءهم به من عند ربهم { سُوءَ العَذَاب } يقول: شديد العقاب، وذلك عذاب النار التي أعدّها الله لكفرة خلقه به. { بِمَا كانُوا يَصْدِفُونَ } يقول: يفعل الله ذلك بهم، جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.