الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

يعني جلّ ثناؤه بقوله: { ولاَ تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيم إلاَّ بالتي هي أحْسَن } ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتيمِ إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ } قال: التجارة فيه. حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ } فليثمِّر ماله. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا فضيل بن مرزوق العنزي، عن سليط بن بلال، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله: { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيم إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ } قال: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئاً. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاَّ بالتي هيَ أحْسَنُ } قال: التي هي أحسن: أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل قال الله: { وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَليْأْكُلْ بالمَعْرُوف }. قال: وسئل عن الكسوة فقال: لم يذكر الله الكسوة إنما ذكر الأكل. وأما قوله: { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } فإن الأشدّ جمع شدّ، كما الأضرّ جمع ضرّ، وكما الأشرّ جمع شرّ. والشدّ: القوّة، وهو استحكام قوّة شبابه وسنه، كما شدّ النهار ارتفاعه وامتداده، يقال: أتيته شدّ النهار ومدّ النهار، وذلك حين امتداده وارتفاعه وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة:
عَهْدِي بِه شَدَّ النَّهار كأنَّمَا   خُضِبَ اللَّبانُ ورأسُهُ بالعِظْلِم
ومنه قول الآخر:
يُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهار ظَعِينَةٌ   طَويلَةُ أنْقاء اليَدَيْن سَحُوقُ
وكان بعص البصريين يزعم أن الأشدّ اسم مثل الآنك. فأما أهل التأويل فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل بلغ أشدّه، فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحلم. ذكر من قال ذلك: حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحرث، عن ربيعة، في قوله: { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } قال: الحلم. حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: ثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله. قال ابن وهب: وقال لي مالك مثله. حُدثت عن الحماني، قال: ثنا هشيم، عن مجاهد، عن عامر: { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } قال: الأشدّ: الحلم، حيث تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات. وقال آخرون: إنما يقال ذلك له إذا بلغ ثلاثين سنة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } قال: أما أشدّه: فثلاثون سنة، ثم جاء بعدها: حتى إذَا بَلَغُوا النِّكاحَ.

السابقالتالي
2 3