الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام، والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك، الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان: أشيئاً غير الله تعالى أتخذ ولياً أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث؟ كما: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { قُلْ أغَيْرُ اللَّهِ أتَّخِذُ وَلِيًّا } قال: أما الوليّ: فالذي يتولونه ويقرون له بالربوبية. { فاطِرِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } يقول أشيئاً غير الله فاطر السموات والأرض أتخذ ولياً؟ ففاطر السموات من نعت الله وصفته ولذلك خفض. ويعني بقوله: { فاطِرِ السَّمَواتِ والأرْضِ } مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما. كالذي: حدثنا به ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { فاطِرِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } قال: خالق السموات والأرض. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: { فاطِرِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } قال: خالق السموات والأرض. يقال من ذلك: فطرها الله يَفْطُرُها ويَفْطِرُها فَطْراً وفُطُوراً، ومنه قوله: { هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ } يعني: شقوقاً وصدوعاً، يقال: سيف فُطَار: إذا كثر فيه التشقق، وهو عيب فيه ومنه قول عنترة:
وسَيْفِي كالعقيقةِ فهو كِمْعِي   سِلاحي لا أفلَّ ولا فُطارَا
ومنه يقال: فَطَر نابُ الجمل: إذا تشقق اللحم فخرج ومنه قوله: تَكادُ السَّمَوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ: أي ينشقّقن وينصدعن. وأما قوله: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ } فإنه يعني: وهو يَرْزُق خلقه ولا يُرْزَق. كما: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ } قال: يَرْزُق، ولا يُرْزَق. وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول ذلك: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ } أي أنه يطعم خلقه، ولا يأكل هو. ولا معنى لذلك لقلة القراءة به. القول في تأويل قوله تعالى: { قُلْ إنّي أُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَنْ أسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكينَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله ويحثُّونك على عبادتها: أغير الله فاطر السموات والأرض، وهو يرزقني وغيري، ولا يرزقه أحد، أتخذ ولياً هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضاً: إني أمرني ربي أن أكون أوّل من أسلم، يقول: أوّل من خضع له بالعبودية وتذلل لأمره ونهيه وانقاد له من أهل دهري وزماني. { وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المْشُرِكِينَ } يقول: وقل: وقيل لي لا تكوننّ من المشركين بالله الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء وجعل قوله: { أُمِرْتُ } بدلاً من «قيل لي»، لأن قوله: { أُمِرْتُ } معناه: قيل لي، فكأنه قيل: قل إني قيل لي: كن أوّل من أسلم، ولا تكوننّ من المشركين فاجتزىء بذكر الأمر من ذكر القول، إذ كان الأمر معلوماً أنه قول.