الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين أنهم كانوا يحرّمون ويحلِّلون من قِبَل أنفسهم من غير أن يكون الله أذن لهم بشيء من ذلك. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم من المشركين جهلاً منهم، لأنعام لهم وحرث: هذه أنعام، وهذا حرث حجر، يعني بالأنعام والحرث ما كانوا جعلوه لله ولآلهتهم التي قد مضى ذكرها في الآية قبل هذه. وقيل: إن الأنعام: السائبة والوَصيلة والبحيرة التي سَمَّوْا. حدثني بذلك محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الأنعام: السائبة والبحيرة التي سموا. والحِجْر في كلام العرب: الحرام، يقال: حجرت على فلان كذا: أي حرّمت عليه، ومنه قول الله:وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً } ومنه قول المتلمس:
حَنَّتْ إلى النَّخلَةِ القُصْوَى فقُلْتُ لهَا   حِجْرٌ حَرامٌ ألا ثَم الدَّهاريسُ
وقول رُؤبة:
وجارَةُ البَيْتِ لهَا حُجْرِيُّ   
يعني: المحرم. ومنه قول الآخر:
فَبِتُّ مُرْتَفِقاً والعَيْنُ ساهِرَةٌ   كأنّ نَوْمي عليَّ اللَّيْلَ مَحْجُورُ
أي حرام، يقال: حِجْر وحُجْر، بكسر الحاء وضمها. وبضمها كان يقرأ فيما ذكر الحسين وقتادة. حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن الحسين، عن قتادة، أنه كان يقرؤها: «وحَرْثٌ حُجْرٌ» يقول: حرام، مضمومة الحاء. وأما القرّاء من الحجاز والعراق والشام فعلى كسرها، وهي القراءة التي لا أستجيز خلافها لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأنها اللغة الجُودَى من لغات العرب. ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: «وحَرْثٌ حِرْجٌ» بالراء قبل الجيم. حدثني بذلك الحرث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: أنه كان يقرؤها كذلك. وهي لغة ثالثة معناها ومعنى الحجر واحد، وهذا كما قالوا: جذب وجبذ، وناء ونأى، ففي الحجر إذن لغات ثلاث: «حِجْر» بكسر الحاء والجيم قبل الراء، و«حُجُر» بضم الحاء والجيم قبل الراء، و«حِرْجٌ» بكسر الحاء والراء قبل الجيم. وبنحو الذي قلنا في تأويل الحجر قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عمران بن موسى القزّاز، قال: ثنا عبد الوارث، عن حميد، عن مجاهد وأبي عمرو: { وحَرْثٌ حِجْرٌ } يقول: حرام. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: { وَحَرْثٌ حِجْرٌ } فالحجر: ما حرّموا من الوصيلة، وتحريم ما حرّموا. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وَحَرْثٌ حِجْرٌ } قال: حرام. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { هَذِهِ أنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ }... الآية، تحريم كان عليهم من الشياطين في أموالهم وتغليظ وتشديد، وكان ذلك من الشياطين ولم يكن من الله.

السابقالتالي
2 3