الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام لربهم { ممَّا ذَرَأَ } خالقهم، يعني: مما خلق من الحرث والأنعام، يقال منه: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذَرْأً وَذَرْواً: إذا خلقهم. { نصيباً }: يعني قسماً وجزءاً. ثم اختلف أهل التأويل في صفة النصيب الذي جعلوا لله والذي جعلوه لشركائهم من الأوثان والشيطان، فقال بعضهم: كان ذلك جزءاً من حروثهم وأنعامهم يقرّرونه لهذا، وجزءاً لهذا. ذكر من قال ذلك: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة عن ابن عباس: { فَمَا كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إلى الله }... الآية، قال: كانوا إذا أدخلوا الطعام فجعلوه حُزَماً جعلوا منها لله سهماً وسهماً لآلهتهم، وكان إذا هبت الريح من نحو الذي جعلوه لآلهتهم إلى الذي جعلوه لله ردّوه إلى الذي جعلوه لآلهتهم وإذا هبت الريح من نحو الذي جعلوه لله إلى الذي جعلوه لآلهتم أقرّوه ولم يردّوه، فذلك قوله: { ساءَ ما يَحْكُمُونَ }. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيباً فقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكائِنا } قال: جعلوا لله من ثمراتهم ومالهم نصيباً وللشيطان والأوثان نصيباً، فإن سقط من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله التقطوه وحفظوه وردّوه إلى نصيب الشيطان. وإن انفجر من سَقْي ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه وإن انفجر من سَقْي ما جعلوه للشيطان في نصيب الله سدوه، فهذا ما جعلوا من الحروث وسقي الماء. وأما ما جعلوا للشيطان من الأنعام، فهو قول الله:ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ } حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وَجَعَلُوا لِلّهَ مِمَّا ذَرأَ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ }... الآية، وذلك أن أعداء الله كانوا إذا احترثوا حرثاً أو كانت لهم ثمرة، جعلوا لله منها جزءاً وللوثَن جزءاً، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه، فإن سقط منه شيء فيما سمّي لله ردّوه إلى ما جعلوا للوثن، وإن سبقهم الماء إلى الذي جعلوه للوثن فسقى شيئاً جعلوه لله، جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شيء من الحرث والثمرة التي جعلوا لله فاختلط بالذي جعلوا للوثن، قالوا: هذا فقير، ولم يردّوه إلى ما جعلوا لله. وإن سبقهم الماء الذي جعلوا لله فسقى ما سمي للوثن تركوه للوثن.

السابقالتالي
2 3