يقول تعالى ذكره: { هو الأوّل } قبل كل شيء بغير حدّ { والآخر } يقول: والآخر بعد كل شيء بغير نهاية. وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال جلّ ثناؤه:{ كُلُّ شَيْءٍ هالكٌ إلاَّ وَجْهَهُ } وقوله: { والظَّاهِرُ } يقول: وهو الظاهر عل كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه { والباطِنُ } يقول: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال:{ وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْل الوَرِيدِ } وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال به أهل التأويل. ذكر من قال ذلك، والخبر الذي روي فيه: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والباطِنُ } ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه، إذ ثار عليهم سحاب، فقال: " هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " فإنَّها الرَّقِيعَ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ، " قال: " فَهَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها " قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: " مَسِيرَةُ خَمْسٍ مِئَةِ سَنَةٍ " قال: " فَهَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلكَ؟ " فقالوا مثل ذلك، قال: " فَوْقَها سَماءٌ أُخْرَى وَبَيْنَهُما مَسِيرِةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ " قال: " هَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلك؟ " فقالوا مثل قولهم الأوّل، قال: " فإنَّ فَوْقَ ذلكَ العَرْشَ، وَبَيْنَهُ وَبَينَ السَّماءِ السَّابِعَةِ مِثْلُ ما بَينَ السَّماءَيْن " قال: " هَلْ تَدْرُونَ ما الَّتِي تَحْتَكُمْ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم قال: " فإنَّها الأرْضُ " قال: " فَهَلْ تَدْرُونَ ما تَحْتَها؟ " قالوا له مثل قولهم الأوّل، قال: " فإنَّ تَحْتَها أرْضاً أُخْرَى، وَبَيْنَهُما مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ " حتى عدّ سبع أرضين، بين كلّ أرضيْن مسيرة خمس مئة سنة، ثم قال: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دُلِّيَ أحَدكُمْ بِحَبْل إلى الأرْضِ الأُخْرى لَهَبَطَ على اللّهِ " ثُمَّ قرأ { هُوَ الأوَّلُ والآخَرُ والظَّاهِرُ والباطِنُ وَهُوْ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }. وقوله: { وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } يقول تعالى ذكره: وهو بكلّ شيء ذو علم، لا يخفى عليه شيء، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا في كتاب مبين. وقوله: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامِ } يقول تعالى ذكره: هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين، فدبرهنّ وما فيهنّ، ثم استوى على عرشه، فارتفع عليه وعلا.