الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } * { وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

يعني تعالى ذكره بقوله: { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذّبانِ }: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم تكذّبان. كما: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سهل السراج، عن الحسن { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذّبانِ } فبأيّ نعمة ربكما تكذّبان. قال عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذّبانِ } قال: لا بأيتها يا ربّ. حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري، قالا: ثنا يحيى بن سليمان الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن، أو قُرئت عنده، فقال: " ما لِي أسْمَعُ الجِنَّ أحْسَنَ جَوَاباً لِرَبِّها مِنْكُمْ؟ " قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: " ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللّهِ: { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تكَذِّبانِ }؟ إلاَّ قالَتِ الجِنُّ: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنا نُكَذّبُ " حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ } يقول: فبأيّ نعمة الله تكذّبان. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ } يقول للجنّ والإنس: بأيّ نِعم الله تكذّبان. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ } قال: لا بأيتها ربنا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ } قال: الآلاء: القدرة، فبأيّ آلائه تكذّب خلقكم كذا وكذا، فبأيّ قُدرة الله تكذّبان أيها الثَّقَلان، الجنّ والإنس. فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ } فخاطب اثنين، وإنما ذكر في أوّل الكلام واحد، وهو الإنسان؟ قيل: عاد بالخطاب في قوله: { فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ } إلى الإنسان والجانّ، ويدلّ على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام، وهو قوله: { خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخَّارِ وَخَلَقَ الجانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ }. وقد قيل: إنما جعل الكلام خطاباً لاثنين، وقد ابتدىء الخبر عن واحد، لما قد جرى من فعل العرب، تفعل ذلك وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين، فيقولون: خلياها يا غلام، وما أشبه ذلك مما قد بيَّناه من كتابنا هذا في غير موضع. وقوله: { خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخَّارِ } يقول تعالى ذكره: خلق الله الإنسان وهو آدم من صلصال: وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار يعني أنه من يُبسه وإن لم يكن مطبوخاً، كالذي قد طُبخ بالنار، فهو يصلصل كما يصلصل الفخار، والفخار: هو الذي قد طُبخ من الطين بالنار.

السابقالتالي
2 3