يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { إنَّ رَبَّكَ } يا محمد { وَاسِعُ المَغْفِرَةِ }: واسع عفوه للمذنبين الذين لم تبلغ ذنوبهم الفواحش وكبائر الإثم. وإنما أعلم جلّ ثناؤه بقوله هذا عباده أنه يغفر اللمم بما وصفنا من الذنوب لمن اجتنب كبائر الإثم والفواحش. كما: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ } قد غفر ذلك لهم. وقوله: { هُوَ أعْلَمُ بِكُمْ إذْ أنشأَكُمْ مِنَ الأرْضِ } يقول تعالى ذكره: ربكم أعلم بالمؤمن منكم من الكافر، والمحسن منكم من المسيء، والمطيع من العاصي، حين ابتدعكم من الأرض، فأحدثكم منها بخلق أبيكم آدم منها، وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، يقول: وحين أنتم حمل لم تولدوا منكم، وأنفسكم بعدما، صرتم رجالاً ونساء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأول. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إذْ أنْشأَكُمْ مِنَ الأرْضِ } قال: كنحو قوله:{ وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ } وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { إذْ أَنْشأَكُمْ مِنَ الأرْضِ } قال: حين خلق آدم من الأرض ثم خلقكم من آدم، وقرأ { وَإذْ أنْتُمْ أجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ }. وقد بيَّنا فيما مضى قبل معنى الجنين، ولِمَ قيل له جنين، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: { فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ } يقول جل ثناؤه: فلا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصيّ. كما: حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول { فَلا تُزكُّوا أنْفُسَكُمْ } يقول: فلا تبرئوها. وقوله: { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } يقول جلّ ثناؤه: ربك يا محمد أعلم بمن خاف عقوبة الله فاجتنب معاصيه من عباده.